كتب أحمد جميل عزم: ما بعد
القيق لن يكون كما قبله؟
من دون الدخول في التفاصيل والموضوعات التي تتعلق بكل أسير
فلسطيني سابق دخل تجربة
الإضراب عن الطعام، فإنّ إضراب محمد القيق خطوة إضافية، ستشكل إذا ما سار عليها أسرى آخرون علامة فارقة في موضوع إضرابات المعتقلات، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار التداعيات السياسية التي نشأت عن إضرابه، والتي قد تنشأ لو استشهد.
هناك فرقان أساسيان بين ما يقوم به الصحفي، (33 عاما)، في تلفزيون "المجد" السعودي، والكاتب في صحيفة "العربي الجديد" القطرية-اللندنية، رئيس مجلس طلبة جامعة بيرزيت السابق عن التيار الإسلامي. الفرق الأول، أنّه يرفض أي مدعّمات ويقبل الماء فقط، وهو ما يسمى الإضراب الإيرلندي، نسبة لإضراب المعتقلين في إيرلندا الشمالية العام 1981، والذي استشهد خلاله عشرة مناضلين إيرلنديين ضد الحكومة البريطانية (حكومة لندن)، واحتجاجا على نكوص تلك الحكومة عن اتفاقيات سابقة. إذ مكث من استشهد من المناضلين حينها بين 46-73 يوما في الإضراب. وإذا ما كان القيق حيا، فإنّ اليوم هو اليوم السادس والثمانون له في الإضراب.
يوجد من بين الأسرى الفلسطينيين من قام بمثل هذا النوع من الامتناع عن كل شيء سوى الماء والملح، سابقا، لمدد زمنية أقصر. لكن القيق يثبت فكرة هذا الإضراب، وأنّها الأسلوب المتبع، وليس أسلوبا آخر يقبل المدعمات والحليب، رغم أنّه (الأسلوب الآخر) معتمد دوليا باعتباره إضرابا عن الطعام.
الأمر الثاني، وغير المسبوق تقريبا، للقيق، هو رفضه فكرة فك الإضراب مقابل تحديد موعد لإطلاق سراحه، يوم 1 أيار (مايو) المقبل، وعدم تجديد اعتقاله شخصيا. فهو يشترط إطلاقه فورا ومن دون شروط، ولم يصل بعد في مطالبه درجة طلب إلغاء الاعتقال الإداري، من حيث المبدأ. لكن من غير المستبعد أن نجد قريبا إضرابات لمجموعات، شرطها إلغاء فكرة الاعتقال الإداري كليا، أي إلغاء أي اعتقال من دون محاكمة، كما يحدث الآن، وذلك وسط فشل الجهات الرسمية الفلسطينية في إثارة هذا الموضوع قانونيا وسياسيا وعالميا وميدانيا.
في السابق، حاول مسؤولون في الأطر الرسمية والشعبية الفلسطينية التوصل إلى قواعد تحدد كيف ومتى يُعلن الإضراب. وكان هناك توجه لمناقشة مدى صوابيّة إعلان إضرابات فردية. لكن الأسرى رفضوا هذا الطرح، وأصروا على حقهم في الإضراب الفردي. ومن الواضح أنّ هذا الإضراب الذي خاضه كثيرون الآن، من أبرزهم خضر عدنان وسامر العيساوي ومحمد القيق، يتحول إلى نهج ونمط من شأنه أن يستمر، وسط فشل الحركة الوطنية الفلسطينية في قيادة أي عمل جماعي. فالنهج الفردي في الإضراب هو ذاته النهج الفردي في المقاومة، وكنوع من تعبير الأفراد عن رفضهم للفشل القيادي، وفشل الأطر المنظمة، ورفضهم الاستسلام لهذا الفشل.
تقوم فكرة الإضراب عن الطعام على تحويل المعاناة إلى سلاح. وهذا بحد ذاته يربك
الإسرائيليين، خصوصا مع قدرة هذا النهج على تحريك الجمهور. لكن الجانب الإسرائيلي، بقرار المحكمة العليا الإسرائيلية يوم الثلاثاء الماضي، يبدو وقد حسم أمره بعدم إطلاق القيق، حتى لو استشهد. إذ يقول قرار المحكمة: "يتحمل المدّعي مسؤولية صحته ووضعه بنفسه، هو وليس أي طرف آخر". ويبدو القرار مقدمة لخوض حملة علاقات عامة دولية ستلي استشهاد القيق، المتوقع بحسب تقارير الأطباء والمؤشرات السياسية.
شعبيا، يُشعر الإضراب الجمهور بالعجز وعدم القدرة على الفعل. وإذ تتكاثر الهيئات والمجموعات التي تتضامن مع القيق، فإنّ الشعور بعدم وجود بنى منظمة تتولى الدفاع عن الفلسطينيين أمر يتعمق يوميا، محدثا شرخا وفجوة إضافية بين الشعبي والفصائلي. وقد انطلقت يوم الثلاثاء، أول من أمس، في رام الله مسيرات شبه عفوية، غير مخططة، تضامنا معه، في إِشارة على حالة القلق الشعبي القائمة.
وهذه المسيرة ربما بجانب نشاطات أخرى كثيرة، بما في ذلك تحرك كبير نسبيا في بعض الجامعات، مؤشر على ردود الفعل والتداعيات الممكنة لاستشهاد أول المعتقلين الإداريين المرتقب، وأنّ ما بعد القيق لن يكون كما كان قبله!
(عن الغد الأردنية)