نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلة شؤون
البيئة سوزان غولدنبيرغ، حول احتمال فشل مشروع مدينة
مصدر الخضراء على أطراف أبو ظبي، التي كان يؤمل بأن تكون مدينة صديقة للبيئة خالية من
الكربون.
وتقول غولدنبيرغ إن "فكرة مدينة مصدر بدأت قبل حوالي عقد، وكانت تهدف إلى إحداث ثورة في طريقة التفكير بالمدن وبيئة البنيان، والآن قد تتحول أول مدينة خطط لها لأن تكون مدينة خضراء مستدامة، وتشكل مشروعا أساسيا في خطة
الإمارات لتنويع الاقتصاد من الوقود الأحفوري، إلى مدينة أشباح".
ويشير التقرير إلى أنه كان المفترض الانتهاء من بناء المدينة هذا العام، لكن مديري التنفيذ تخلوا عن هدفهم الأصلي في بناء مدينة لا يصدر عنها
انبعاثات كربونية، فمدينة مصدر ليست بأي حال قريبة من تصفير انبعاثات الغازات الدفيئة، ولا حتى بنسبة ضئيلة من بصمتها المخطط لها، وتعترف السلطات بأنها لن تبلغ هدفها حتى لو تم إكمال بنائها.
وتنقل الصحيفة عن مدير التصميم لمدينة مصدر كريس وان، قوله: "لن نحاول إقحام الطاقة المتجددة في المدينة لمجرد تبرير تعريف صنع داخل حدود معينة، فابتداء من اليوم لن يكون مستقبل المدينة صفر (انبعاثات) وستكون بحدود 50%".
وتذكر الكاتبة أنه عندما بدأ مشروع مدينة مصدر عام 2006، تم تسويق المشروع كونه نموذجا للاستخدام الأخضر للمساحات المدنية، ومركزا عالميا للصناعات التكنولوجية النظيفة، يعيش فيها 50 ألف نسمة، ويسافر للعمل فيها 40 ألفا يوميا.
ويلفت التقرير إلى أن شركة "فوستر أند بارتنرز"، قد صممت المدينة بسياراتها الكهربائية من غير سائق، التي تنقل المسافرين بين البنايات التي تحتوي على أماكن مظللة، وتستفيد من التكنولوجيا الذكية لمقاومة حرارة الصحراء الحارقة، وللتقليل من تكاليف التبريد.
وتورد الصحيفة أن شركة "مبادلة"، وهي شركة الاستثمارات الحكومية في أبو ظبي، وعدت بدعم هذه التجربة في تصميم المدن بمبلغ 22 مليار دولار، مشيرة إلى أنه بعد عقد من بدء المشروع لم يتم تعمير سوى 5% من المساحة الأصلية، وهي ستة كيلومترات مربعة، وتم تأجيل إنهاء المشروع إلى عام 2030.
وتكشف غولدنبيرغ عن أنه قد تم بناء لب المدينة، وأبرز بناياته هي بناية مقر سيمنز للشرق الأوسط، وهي بناية كبيرة ومربعة، بالإضافة إلى برج مطل بمادة التفلون يرتفع 45 مترا، وهو برج الهواء الذي يمرر الهواء البارد من خلال شارع مظلل فيه بقالة وبنك وبريد ومقصف ومقهيان.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن هناك حوالي 300 شركة عالمية موجودة في المدينة، مستدركا بأن كثيرا منها اعترفت بأن وجودها لا يتجاوز وجود مكتب اتصال. وانتقل مكتب الأمم المتحدة للبناية الكبيرة الأخرى، وهي البناية الفولاذية اللامعة، التي هي مركز الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا" العام الماضي.
وبحسب الصحيفة، فقد اختارت "إيرينا" أبو ظبي بعد أن وعدت مدينة مصدر ببناية بأحدث مواصفات الاستدامة، حيث تستخدم البناية المؤلفة من ستة طوابق ثلث الطاقة التي تستخدمها مثيلاتها في أبو ظبي، بفضل استخدام العزل والمصاعد الفعالة، وألغى التصمييم استخدام الإنارة الكهربائية، وركز على الاستفادة من الإنارة الطبيعية، كما اقتضى استخدام سخانات ماء شمسية توضع على السطوح.
وتقول الكاتبة إنه بالمقياس الإماراتي، فإن بنايتي "سيمينز" و"إيرينا" تعدان مثالا في توفير الطاقة، لكن ليس من السهل معرفة مستوى فاعليتهما على المستوى العالمي، خاصة أن الإمارات لديها نظام قياسها الخاص، الذي لا يمكن ترجمته مباشرة إلى معايير البناء الأخضر المعروفة لدى الغرب.
وتضيف غولدنبيرغ أنه يضاف إلى ذلك أن هناك فقط 90 شخصا يعملون في البناية هم موظفو الوكالة في البناية المؤلفة من ستة طوابق، وتصل مساحتها إلى 32 ألف متر مربع، وأن هناك أقل من ألفي شخص يعملون في الموقع، و300 شخص يعيشون هناك هم طلاب معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، الذين يمنحون تعليما وسكنا مجانيا، بحسب الدليل السياحي.
ويوضح التقرير أن نظام النقل المستقل، الذي كان سيتألف من 100 محطة، توقف بعد أول محطتين، مشيرا إلى أن هناك محطة دراجات هوائية، لكن المسافة إلى أبو ظبي تصل إلى عشرة أميال خالية من طرق الدراجات.
وتجد الصحيفة أن الأهم من ذلك هو أن الهدف من المدينة، وكونها مثالا على الحياة الخضراء، تم التراجع عنه، حيث يقول وان: "صحيح أن الهدف الأساسي كان صفرا (من الانبعاثات)، ولكن ذلك كان بالنظر إلى المدينة في معزل"، لكنه أصر على أنه يجب النظر إلى مدينة مصدر في سياق ما تملكه الشركة الأم من طاقة متجددة، فتقوم "مبادلة" أيضا بتطوير مزرعة "شمس" للطاقة الشمسية.
ويقول وان: "إن مصدر كونها شركة عائلية، فإنها تقوم بتوفير أكثر من الطاقة النظيفة المستخدمة في المدينة، وكل ما أقوله هو إننا لن نرسم حدودا لما هو أوفر الطرق لتوليد الطاقة النظيفة؛ لأن ما تم استثماره في مدينة مصدر وفي (شمس) هو من المصدر ذاته".
وتنوه الكاتبة إلى أن حكام الإمارات يدركون بأن احتياطياتهم من النفط قد تنضب بعد حوالي 50 عاما، ولذلك يقومون بالاستثمار في السياحة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، واليوم يأتي أكثر من 70% من مجمل الناتج المحلي من قطاعات غير نفطية، بحسب رئيس وزراء الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم.
ويورد التقرير أن رئيس الوزراء نشر على "تويتر" أن الإمارات أنفقت 20 مليار دولار على محطة طاقة ذرية تحت البناء، ويتوقع أن توفر ما يقارب 25% من حاجة الإمارات للكهرباء مع حلول عام 2020، كما أن الإمارات تقوم ببناء ما يقدر بأنها أكبر محطة توليد كهرباء بالطاقة الشمسية في العالم في دبي، وتهدف إلى أن تكون هناك لوحات شمسية على سطح كل بيت في دبي مع حلول عام 2030.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أنه قد تم انتقال أول 25 عائلة إلى منطقة لا يصدر عنها أي انبعاثات في دبي، بالإضافة إلى وجود خطط لفندق ومدرسة مزودين بالطاقة الشمسية.