تغيير رئيسي خطير في المسجد الأقصى، مجزرة صهيونية إجرامية واسعة على غرار حرق عائلة دوابشة، عملية استشهادية توقع عددا كبيرا من القتلى، وفاة أو استقالة عباس دون خليفة، مشاركة واسعة لقوى الأمن الفلسطينية في انتفاضة مسلحة، قمع متزايد لأجهزة السلطة للانتفاضة الشعبية، وقف كلي لتمويل السلطة.
سيناريوهات يتزايد فرص تحقق أحدها أو جلها ستؤدي في النهاية إلى انهيار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، واليوم تدعو ليفني إلى اجتماع عاجل للجنتي الخارجية والأمن لبحث "انهيار السلطة"، وعلى طاولة الكابنيت الإسرائيلي لثلاث مرات وبشكل مستفيض نقاش محتدم وآراء متزايدة وأصوات ترتفع حول "انهيار السلطة" الوشيك وغياب عباس عن المشهد، والذي جاء بكيري لوقف سيناريو "انهيار السلطة"، وكذا "وقف انتفاضة القدس" بعد تصريحه الشهير "إذا استمر الوضع الحالي، فليس من الواضح متى يمكن للسلطة الفلسطينية البقاء على قيد الحياة".
درج رئيس السلطة على التهديد بحل السلطة وتسليم مفاتيحها حتى كان خطابه الأخير الذي ذهب فيه السيد عباس بعيدا في التشبث بالسلطة باعتبارها "إنجازا" لتتحول سلطة حكم ذاتي محدود إلى غاية ولا يقابلها سوى توفير أمن الاحتلال بعد أن كانت السلطة "وسيلة" وخطوة لإزالة الاحتلال وبناء الدولة، وربما التقريع المستمر دوليا وعربيا وفتحاويا للرئيس عباس دفعه لهذا التراجع البيّن، ليتعاطى مع السلطة أنها "غاية المنى" بدلا من الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير كمرجعية وطنية صلبة تضم الشتات الفلسطيني مع قرار عاجل بوقف التنسيق الأمني.
منذ أحكمت جنازير دبابات شارون على المقاطعة في 2002م غدت السلطة بلا سلطة، فالاحتلال يرتع معتقلا وقاتلا وهادما للمنازل، وناصبا للحواجز ومغلقا للمؤسسات والإذاعات في المناطق التي تقع ضمن تصنيف (أ)، علاوة على الإدارة المدنية للاحتلال التي استرجعت كثيرا من صلاحياتها عهد الاحتلال، ونشأ واقع استيطاني توسعي على الأرض يطرح نفسه خيارا وحيدا ممكنا نافيا وشاطبا مشروع "حل الدولتين" (الذي ترفضه إسرائيل عمليا)، والذي يعتبر المدخل الطبيعي لبقاء السلطة التي نشأت وفق فرضية تحولها إلى دولة وفق جدول زمني لم يصل منتهاه، الاحتلال بذلك يلغي مبرر بقاء السلطة.
ما بين التنبؤ بسقوطها، والتحول إلى دولة، واعتبارها "دولة تحت الاحتلال"، والبعض يراها مشروعا إسرائيليا دوليا لتمرير صفقة، كان مشروع السلطة يتهاوى ويفقد الرهان عليه فلسطينيا، و(إسرائيل) تريدها محطة نهائية لسلطة وظيفية.
كل ذلك يشير بأن السلوك المؤدي إلى "انهيار السلطة" سلوك احتلالي بامتياز، مع رغبة "إسرائيلية" لا تخطئها العين بعدم رغبتها في تحمل مسؤولية احتلالها بشكل مباشر، مما يدفعها إلى عدم الوصول إلى "حافة الهاوية" مبقية "سلطة ضعيفة عاجزة" بديلا عن انهيارها، لذلك تسارع إلى منحها وأمريكا قبلة الحياة عبر أنبوب المال الأكسوجيني وسلسلة تسهيلات حياتية محدودة، أو عبر وعود سرابية جديدة بإحياء العملية السياسية.
ويعضد هذا السلوك الإسرائيلي تقديرات أمنية يرتفع صوتها عبر "تقدير موقف" الذي قدمته الأجهزة الأمنية مطالبة الحكومة الإسرائيلية باتخاذ تدابير ومبادرات لمساعدة السلطة خشية "الانهيار" الذي له تداعيات خطرة على (إسرائيل) سواء أمنيا أو مدنيا، وفق هذا التقرير المعزز بإشارات هامة باستمرار التنسيق الأمني رغم "انتفاضة القدس" والذي أسهم وفق الرواية الإسرائيلية بمنع أجهزة السلطة (100) عملية منذ مطلع أكتوبر 2104م (تاريخ بدء الانتفاضة) بينما يزيد ماجد فرج أنها أكثر من (200)، وتزعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية أنها منعت ما يصل إلى (300) عملية، محذرين من أن تطلق السلطة يد المنتفضين، فضلا عن الخيار الأسوأ أن تضع السلطة ثقلها خلف الانتفاضة بالسماح لأفرادها بالمشاركة كما كان في "انتفاضة الأقصى 2000" والذي قد يؤدي إلى انتفاضة شاملة غير مسبوقة، أو وفق أضعف الإيمان الالتزام بقرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني، وقد يمثل هذا الخيار إعلانا رسميا من السلطة عن انهيارها.
ولكن يناقض أصحاب أجهزة الأمن الإسرائيلية بعض الأصوات داخل المنظومة الإسرائيلية بأن الانتفاضة اندلعت رغما عن السلطة وأنها (السلطة) لا مبرر لوجودها طالما فقدت القدرة على القيام بدورها الوظيفي بتوفير الأمن للاحتلال عبر منع الانتفاضة، خصوصا بعد أن أصبحت سلطتين، وتآكل نفوذها وهيبتها واختزالها في سلطة تنفيذية يجسدها شخص واحد، ومن ذلك لا يمكن الثقة (وفق رأيهم) بسلطة لا تمتلك مقومات البقاء الذاتي لأسباب أمنية واقتصادية وإدارية وسياسية، وأنها بحاجة إلى (حاضنة) بكل الأحوال ولا ضمان لاستمرار السلطة وقد تنهار لاحقا وتؤول مقدراتها خاصة السلاح والمؤسسات إلى أطراف معادية أو إلى الفوضى والفلتان.
والقراءة الإسرائيلية لانهيار السلطة الوشيك قد ينجم عن تصعيد الانتفاضة لدرجة لا تحتملها (إسرائيل)، أو لرحيل محتمل جدا للرئيس عباس ينجم عنه صراع داخل فتح، أو لتصاعد نفوذ حماس، أو لتراجع حاد في تمويل السلطة، وفي ظل الحاجة الإسرائيلية لبقاء سلطة وفق المقاس الصهيوني تواصل التعاون الأمني يهدد يعلون بتوفر البديل الفلسطيني بقوله "إن إلقاء مفاتيح السلطة سيجعل أيدي فلسطينية كُثر من فتح وغيرها مستعدة لاستلامها"، ولعل الكشف عن جاسوس في مكتب عريقات منذ عشرين عاما يأتي في إطار صراع الوريث لرأس السلطة، والذي يمثل غيابه أحد إرهاصات انهيار السلطة، ومطلوب أن يكون مفتاحها في يد تحفظ مشروع السلطة الوظيفية التي تحمي الكيان الصهيوني، في ظل مزاد الورثة الذي تضرم ناره (إسرائيل)، وفي ظل الخلافات الداخلية التي تعصف بفتح والتي خرجت إلى العلن عبر الفضائيات ولقاءات البث المباشر، ولقاءات التشريعي التي يغيب عنها (16) برلمانيا من فتح.
في الوعي الفلسطيني فإن السلطة لم تحقق غاية وجودها وفق فلسفة "حل الدولتين" فضلا عن أنها تكرست "كسلطة عميقة" منبتة عن "منظمة التحرير" التي شكلت الحاضنة للسلطة فضلا عن حال المنظمة غير الصحي، مما رسخ الشعور المتزايد باليأس والإحباط منها. ومثلت الممارسة الأمنية للسلطة خاصة بعد انتفاضة الأقصى المسمار الأخير في التعاطي الوطني مع السلطة وغدت صورتها مشوهة وخاضعة لرؤية آحاد تعاظم نفوذهم وتضاعف مالهم والتحقت السلطة بمصالحهم الذاتية بعيدا عن المصلحة الوطنية والإرادة الشعبية.
من زاوية أخرى كُبلت السلطة بفاتورة الرواتب لقطاع كبير من الموظفين والخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، والتي ترد عبر الرئة الإسرائيلية (عائدات الضرائب والجمارك) والرئة الاشتراطية الدولية (أموال المانحين)، رغم تراجع الخدمات وعجز الموازنة وتغلغل الفساد وسوء الإدارة، مما يساهم في بقاء السلطة كضرورة، ويعزز الرأي هذا الخشية الخيار البديل سواء الفلتان أو الفوضى وسلطات أمراء الأمن المتصارعة.
من كل ذلك يمكن القول إن الوقائع على الأرض رسخت السلطة خيارا تتشابك فيه مصالح جميع الأطراف وربما حسب رأي البعض المصلحة الفلسطينية في هذه المرحلة قد لا تقتضي انهيار السلطة وانقطاع الخدمات وسيادة الفوضى، وإنما إعادة الاعتبار للسلطة ووظيفتها ودورها وشكلها لتكون أداة وطنية بمرجعية واضحة والتي تمثلها منظمة التحرير بعد إعادة بنائها لتضم كافة أطياف وقوى الشعب الفلسطيني، وتمثل مرجعية حال قرر الاحتلال انهيار السلطة، وتتحول بذلك السلطة إلى حالة وطنية تخدم الحق الفلسطيني في التحرر والاستقلال وإقامة الدولة.
عن صحيفة الشرق القطرية