نشرت صحيفة "ميديا بارت" الفرنسية تقريرا تناولت فيه بالتحليل وضعية
اليسار المغربي، الذي يتأرجح بين الانقسامات الداخلية ومحاولة التموضع في المشهد السياسي للبلاد.
وقالت الصحيفة في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الخلافات الداخلية لليسار الراديكالي في المغرب ساهمت في إقصائه من المشهد السياسي العام للبلاد، وتتعلق هذه الخلافات العميقة بقضايا جوهرية، من بينها المشاركة في
الانتخابات، ودور النظام الملكي، وقضية الصحراء الغربية، والحوار مع الإسلاميين.
وذكرت الصحيفة أن التيار اليساري في المغرب فشل في حسم موقفه السياسي المتردد بين المشاركة في السلطة والانضمام للمعارضة، في الوقت الذي تتغير فيه المعطيات السياسية للبلاد بصفة مستمرة، إلا أن ذلك لم يمنع
أحزاب اليسار الراديكالي من الدخول في قطيعة مع "المخزن المغربي" بسبب خلافات جذرية تعود إلى عهد الملك الراحل الحسن الثاني.
وأضافت الصحيفة أن الانقسامات الداخلية لليسار المغربي حول قضايا جوهرية تتعلق بطريقة عمله في السنوات الأخيرة، ساهمت في ظهور تيارين مختلفين، حيث يتمسك "التيار الراديكالي" بموقف المقاطعة الذي كرسه خيارا سياسيا وقناعة إيديولوجية، ما ساهم في تعرض قياداته للقمع المخزني، بينما اتخذ التيار اليساري التقليدي موقفا أكثر ليونة، ولم يمانع في الحوار والتفاهم مع السلطة السياسية في البلاد.
وقد مثلت الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب، والتغيرات السياسية التي شهدتها تونس ومصر خلال السنوات الأخيرة، امتحانا حقيقيا لمدى استعداد اليسار المغربي بكل انتماءاته الفكرية لتبني مطالب القاعدة الشعبية، التي بدأت تفقد ثقتها في الأحزاب اليسارية، وللوقوف على مدى رجاحة التوجهات السياسية لهذه الأحزاب التي راهنت على منطق القطيعة في علاقتها بالمخزن المغربي طيلة سنوات.
وذكرت الصحيفة أن الأحزاب اليسارية في المغرب ظلت منقسمة في موقفها من التحركات الشعبية التي شهدتها البلاد في سنة 2011، حيث دعت أربعة أحزاب يسارية محسوبة على التيار الراديكالي، رغم معارضة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور الذي اقترحه الملك المغربي، وتنظيم انتخابات مبكرة.
واعتبرت الصحيفة أن أحزاب اليسار المغربي أدركت في الفترة الأخيرة، أن مواصلة المراهنة على منطق القطيعة في علاقتها بالمخزن المغربي سيؤدي إلى إقصائها تدريجيا من المعادلة السياسية، في الوقت الذي تتم فيه إعادة تشكيل المشهد السياسي للبلاد التي تشهد بروز قوة معارضة بديلة عن التيار اليساري في مواجهة حزب العدالة والتنمية، التي يمثلها حزب الأصالة والمعاصرة.
دفعت هذه المعطيات بالأحزاب اليسارية في المغرب لتغيير موقفها السياسي بطريقة تجعلها أكثر تقبلا للمشاركة في الديناميكية السياسية للبلاد، وفقا للقواعد الجديدة. وقد تأكد هذا التوجه في أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد إعلان ثلاثة أحزاب يسارية عن خوض الانتخابات التشريعية القادمة، ضمن قوائم مشتركة "لفيدرالية اليسار الديمقراطي".
وذكرت الصحيفة أن التوجه الجديد لليسار المغربي الذي رسمته المعطيات السياسية في السنوات الأخيرة، سمح للأحزاب اليسارية بأن تصبح جزءا من المشهد السياسي، بعد نجاحها في الوصول إلى البرلمان المغربي منذ سنة 2015. ولذلك أكد عضو فيدرالية اليسار الديمقراطي، عبد الله أبعقيل، أن "مقاطعة الانتخابات لم تكن مرجعية إيديولوجية للأحزاب اليسارية، بل كانت خيارا استراتيجيا اعتمدته بعد تقييم موازين القوى في سنة 2011".
وأضافت الصحيفة أن تواصل الانقسامات الداخلية لليسار السياسي في المغرب حول قضايا جوهرية، ساهم في تهميش العمل السياسي للأحزاب اليسارية، وانعدام ثقة القاعدة الجماهيرية فيها، واقتصار الفكر اليساري على التحركات الاجتماعية عن طريق المؤسسات غير الحكومية، والمظاهرات الشعبية.
وتعتبر بعض الأحزاب اليسارية أن التركيبة الحالية لمؤسسات الدولة، وآليات العملية الديمقراطية في المغرب، لا تسمح بتنظيم انتخابات شفافة، لذلك فإن القطيعة أصبحت بالنسبة لها موقفا إيديولوجيا في عملها السياسي، ومن بينها حزب النجاح الديمقراطي الذي انخرط أعضاؤه في حركة 20 شباط/ فبراير؛ التي ترى أن "التغيير لا يمكن أن يأتي سوى عن طريق الشارع المغربي والمؤسسات غير الحكومية"، على حد تعبير يونس، عضو حركة 20 شباط/ فبراير.
وذكرت الصحيفة أن التيار اليساري بكل انتماءاته الفكرية يشهد أزمة حقيقية منذ سنوات، بسبب الانقسامات الداخلية، ليس فقط بين التيار الراديكالي والتيار التقليدي، أو بين الأحزاب المختلفة المكونة لهما، بل أيضا داخل القيادات السياسية للأحزاب اليسارية، وخاصة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يتهمه جزء من مناصريه بالتخلي عن القواعد الفكرية لليسار.
وأضافت الصحيفة أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تخلى عن المطالب السياسية للتيار اليساري، بعد أن دعا مناصريه للتصويت لصالح الدستور الجديد في الاستفتاء الشعبي في سنة 2011، ورفض فتح مقراته للمتظاهرين من أنصار حركة 20 شباط/ فبراير عند ملاحقتهم من جانب الشرطة المغربية، خلال التحركات الاحتجاجية في 15 أيار/ مايو الماضي.
أما بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية، فقد تنازل بدوره عن مطالبه التي تدعو للتغيير، بعد أن سمحت له الانتخابات الأخيرة بالوصول إلى السلطة، والمشاركة في الحكومة التي يترأسها أمين عام حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن هناك اتفاقا بين الأحزاب اليسارية في المغرب رغم اختلافاتها الفكرية والإيديولوجية، على ضرورة تجاوز الانقسامات الداخلية، وهو ما يبدو ضروريا لاستعادة ثقة القاعدة الشعبية في العمل السياسي للتيار اليساري.