في مثل هذا اليوم من 5 سنوات كان اللواء عمر سليمان يعلن تنحي حسني مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية، وإسناد مهامه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
عندما استرجع ما حدث الآن أسأل نفسي: كيف وافقنا وقتها على هذا العبث؟ كيف سمحنا للرجل الذي أفسد ماضينا وحاضرنا أن يخطط لنا مستقبلنا؟ كيف صدقنا أنه قد يختار أحدا يحقق أهداف ثورة قامت عليه؟
هي أسئلة أطرحها كلما عاد 11 فبراير في عام جديد، فرغم الوضوح الكامل للإجابات لم نتوصل إليها وقتها وكأن أضواء الانتصار الباهرة من رؤية الحقائق، وكأن نشوة خلع الديكتاتور أنستنا أن أعضاء المجلس العسكري كله من اختياره، وأنهم رأوه لسنوات وهو يُفقر
المصريين ويسرقهم ويُمرضهم ويقتلهم والتزموا الصمت.
أعرف أن هذا كله أصبح مجرد تاريخ، لكنه يبقى الخطأ الأول والأفدح الذي وقع فيه ثوار يناير بجانب أخطاء أخرى كثيرة أودت بكثير منهم إلى القبور، وبكثير منهم إلى السجون، وعاش من تبقى منهم محاصرا يسأل نفسه إن كان سيلحق بهؤلاء أم هؤلاء.
مصير بائس.. أليس كذلك؟
لكن هل تعرف ما هو الأمر الأكثر بؤسا؟ أنه لو عدنا من جديد إلى حدود 11 فبراير 2011 سنرتكب نفس الأخطاء ونقع في نفس الفخاخ ونستقر على نفس الخيارات، لأن تجربة السنوات الخمس الكئيبة الماضية يبدو أنها لم تغير فينا شيئا.
تابع النقاشات على الصفحات المحسوبة على الثورة لتعرف أن الخلافات مازالت كما هي والعقلية لم تتغير، فبينما ينسى إعلاميو النظام خلافاتهم العاصفة التي لم تستمر لأكثر من يومين ويجتمعون ضاحكين في صورة واحدة، يصعب عليك أن تجمع 10 شخصيات محسوبة على الثورة في مكان واحد دون أن يضع كل منهم قائمة بشخصيات يشترط عدم حضورها ليحضر هو.
ابحث في عقول المحسوبين على الثورة عن روشتة واضحة المعالم لإقامة الاقتصاد من عثرته ولإدارة أزمة الدولار ولإيجاد بديل عن رفع الدعم، غالبا لن تجد إجابات كافية أو لن تجد إجابات أصلا أو ستجد إجابات كثيرة متناقضة، وهذا يكرر ما مرت به الثورة في عثرتها الأولى حين تعاطف معها الناس في البداية ثم انفضوا عنها بعدما وجدوها غارقة في جدالاتها وتنظيراتها فاشلة في تحسين ظروفهم ومعيشتهم.
راجع أسباب تخبط الثورة بعد 11 فبراير ستجد من أهمها عدم وجودة قائد يجمع شتاتها، ثم اسأل نفسك: هل يحضرك حاليا اسم واحد يمكن أن يقوم بهذا الدور؟ بعد 11 فبراير الأولى كانت الأسماء كثيرة، وكلما سألنا أحد عن تصورنا للحل نقترح تشكيل مجلس رئاسي مدني ونفاضل بين أسماء كثيرة نراها قادرة على القيام بهذا الدور، محمد البرادعي، حسام عيسى، محمد أبو الغار، كمال أبو عيطة، حازم الببلاوي، سامح عاشور، وغيرهم عشرات، الآن لم يعد بالإمكان الاتفاق على اسم واحد يمكن أن نستأمنه على أي ثورة جديدة، فمن لم نجربه في الخيانة والانقلاب على الثورة، جربناه في الهروب من المسؤولية.
تذكّر أن عدم وجود كيانات قوية معبرة عن الثورة كان من أهم أسباب تعثرها، ثم اسأل نفسك: هل هذه الكيانات موجودة الآن؟ لم تزد السنوات الخمس المحسوبين على الثورة إلا شتاتًا، فالكيانات القزمية التي كان يزعجنا تفككها لم تعد موجودة أصلا، والائتلافات الصغيرة تجمدت طواعية وإذا فكر أحد في إعادة إحيائها سيجد في اليوم التالي حكما يعتبرها حركة إرهابية.
5 سنوات قضتها الثورة مع أهل الكهف، الأسوأ من أنها لم تحكم، أنها لم تجهز نفسها للحكم، والأبشع من الجرائم التي ارتكبها الخصوم في حقها، الجرائم التي ارتكبتها هي في حق نفسها، 5 سنوات ضاعت في العبث واللامنطق، في المعارك التافهة والجدل العقيم والتنافس على قطعة من تورتة لم تخرج بعد من الفرن، أتعبنا العراك فسقطنا جميعا على الأرض وجاء آخرون فتحوا الفرن وأخذوا التورتة وهربوا، وبعدما استرحنا لم نقم لمطاردة من سرقوا التورتة بل واصلنا العراك وكل يتهم الآخر بالمسؤولية عن سرقة التورتة!
اخرجوا من الكهف، دعكم من الماضي ومعاركه وخصوماته بعدما تستفيدوا من دروسه، استعدوا بجد للمعركة القادمة لأنها الفاصلة، فلو عادت إليكم وضاعت مرة أخرى لن تعود إلى الأبد.