لم أستغرب صدور كتاب عن الفنانة
ليلى مراد، ينكر حقائق ثابتة عنها وعن الفنان أنور وجدي وعلاقتهما بالإمام
حسن البنا، فقد فوجئت بخبر على موقع البي بي سي العربي، يعرض فيه كتابا لناقد سينمائي اسمه أشرف غريب يحمل عنوان: (الوثائق الخاصة لليلى مراد)، ولكن تعجبي هو تجرؤ الكاتب على إنكار حقائق بحكم المناخ السياسي السائد في مصر الآن، في إنكار كل موقف لجماعة الإخوان، فإذ بالكاتب ينفي وجود أي علاقة بين حسن البنا وأنور وجدي، وأن ليلى مراد لم يكن للبنا أي دور في إسلامها، وكان رد مؤلف الكتاب ينصب كله على شخصي، فأنا صاحب هذه المعلومات، وذاكرها.
وأبين في هذه السطور دلائلي على ما ذكرته من علاقة حسن البنا بأنور وجدي وليلى مراد، أما عن علاقة حسن البنا بأنور وجدي فلها قصة أذكرها على لسان من حضروها، يقول الدكتور محمود عساف سكرتير حسن البنا للإعلام والمعلومات:
(في يوم من أيام صيف عام 1945م، وكان الجو صحوا ونسمة خفيفة تداعب الشجر في ميدان الحلمية الجديدة، ذهبت إلى الأستاذ الإمام (حسن البنا) كعادتي كل يوم أتلقى تعليماته فيما يتصل بالمعلومات، وكان في ذلك الوقت غير مشغول بضيوف أو أعمال لها صفة الاستعجال، قال لي: "قم بنا نذهب إلى البنك العربي لنفتح حساب للإخوان هناك" إذ لم يكن للإخوان حساب بأي بنك حتى ذلك الوقت.
توجهنا إلى مكتب رئيس البنك وكان يتبع سياسة الباب المفتوح للعملاء، ويستطيع أي عميل أن يدخل إليه بغير استئذان، دخلنا وألقينا السلام، وجلسنا على أريكة مواجهة للمكتب، وكان هناك رجل جالس على مقعد مجاور للمكتب وظهره منحرف نحونا، وكان يتحدث مع شومان بك (رئيس البنك) وفي انتظارنا صامتين إلى أن تنتهي تلك المقابلة، فاجأنا شومان بك بقوله: "أهلا وسهلا" بصوت عال جعل الجالس إلى مكتبه ينظر نحونا، وإذ بذلك الجالس ينتفض واقفا ويهتف: "حسن بك؟ أهلا وسهلا يا حسن بك، ثم تقدم نحونا مصافحا الإمام ثم إياي. ثم جلس على مقعد مجاور للإمام وقال: "أنا أنور وجدي... المشخصاتي.. يعني الممثل... طبعا أنتم تنظرون إلينا ككفرة نرتكب المعاصي كل يوم في حين أني والله أقرأ القرآن وأصلي كلما كان ذلك مستطاعا".
كانت مفاجأة لي، فلم نكن ننادي الإمام أو نشير إليه إلا بقولنا: فضيلة الأستاذ. أما حسن بك، فقد كانت نشازا.
قال له الإمام: يا أخ أنور أنتم لستم كفرة ولا عصاة بحكم عملكم، فالتمثيل ليس حراما في حد ذاته، ولكنه حرام إذا كان موضوعه حراما. وأنت وإخوانك الممثلون تستطيعون أن تقدموا خدمة عظمى للإسلام إذا عملتم على إنتاج أفلام أو مسرحيات تدعو إلى مكارم الأخلاق، بل إنكم تكونون أكثر قدرة على نشر الدعوة الإسلامية من كثير من الوعاظ وأئمة المساجد.
إني أرحب بك وآمل أن تحضر لزيارتنا بدار الإخوان المسلمين بالحلمية الجديدة لنتبادل الرأي حول ما يمكن أن تسهموا به في نشر الفضيلة والدعوة إلى الله". فعندما سمع أنور وجدي هذا الرد الجميل من الإمام البنا بكى أنور وجدي وقبل يده ورأسه. بعدها رأينا لأنور وجدي (ليلى بنت الفقراء).
هذه قصة حسن البنا مع أنور وجدي، ومصادري فيها التي لا يستطيع أحد تكذيبها، فقد ذكرها الدكتور محمود عساف في كتابه (مع الإمام الشهيد حسن البنا) ص: 39-41، وحكاها لي الأستاذ محمد نجيب أحد إخوان (إمبابة)، وكلاهما حضرا الحادثة مع حسن البنا، وقد نقلها فيما بعد عني نقل المقر لها، الأستاذ يوسف القعيد دون نسبة ما نقله عن مصدره، ثم نقلته عني الأستاذة سناء البيسي في مقال لها في جريدة الأهرام، راحت تنقل من كتابي (حسن البنا وتجربة الفن) دون رد ما تنقل من معلومات نادرة إلى كتابي.
أما إسلام ليلى مراد على يد حسن البنا، فلست مدعيا لهذه الحادثة، فقد ذكرها من لا يجرؤ أحد على تكذيبه، وهو الفنان زكي فطين عبد الوهاب، ابن ليلى مراد، فقد ذكر منذ سنوات على موقع (المصريون) أن من كان سببا في إسلام أمه، هو: حسن البنا، الذي كان يشرح لها الإسلام، وقت زواجها بأنور وجدي عند زيارته. وقد ذكر فطين عبد الوهاب هذا الكلام أيام حكم مبارك.
والعجيب أن الباحث راح يذكر وغيره تكذيبا لكلامي، مستندا على أن الصحف نشرت صورة لليلى مراد مع أحد شيوخ الأزهر تعلن إسلامها، وهو أمر مختلف تماما عما أقوله، فالذي شرح لها الإسلام ودعاها إليه من زياراته لأنور وجدي هو حسن البنا، لكن إشهار الإسلام طبيعي يكون في مصر في المحكمة، أو في مقر لجنة الفتوى بالأزهر، في لجنة تعرف بـ (لجنة إشهار الإسلام)، وهي في مدخل الجامع الأزهر.
ولم يكن تواصل حسن البنا مع الفنانين مع أنور وجدي وليلى مراد، حتى يكون التصرف نشازا في تاريخ الإخوان وحسن البنا، بل أنشأ الإخوان فرقة مسرحية، وأقاموا مسرحيات كثيرة، كان من الفنانين الكبار الذين عملوا في مسرح الإخوان المسلمين هؤلاء: محمود المليجي، محمد السبع، عبد البديع العربي، عبد المنعم مدبولي، سراج منير، فاطمة رشدي، إبراهيم سعفان، إبراهيم الشامي، شفيق نور الدين، وسعد أردش. ومن الفنانين الذين كان لهم صلة بالإخوان قبل عمله بالفن، الفنان أحمد مظهر، وقد ذكر ذلك بالتفصيل خالد محيي الدين في كتابه (والآن أتكلم). وقد ذكرت كل هذه التفاصيل بالوثائق في كتابي (حسن البنا وتجربة الفن).
يبدو أننا نعيش في حالة انقلاب عسكري، لا يقف عند سرقة السلطة، بل انتقل إلى انقلاب أخلاقي وثقافي، أصبح يقلب الحقائق، ويقصي فصيلا بكل إنجازاته في التاريخ التي تعد من باب الحقائق، ليحولها إلى نقائص.
Essamt74@hotmail.com