كتب تايلور لاك تقريرا في صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية عن الجهود التي تبذلها
السعودية لمواجهة منافستها
إيران، مشيرا إلى أن الاعتماد على شركات اللوبي الأمريكية، التي تنتج مواد دعائية عن الخطر الإيراني، جزء من هذه الجهود.
ويشير التقرير إلى فيديو منتج بشكل متقن وبجودة عالية: صواريخ تقوم بتدمير البيوت، وأجساد في عربات محترقة، وأطفال صغار جرحى ممددون على أرضية المستشفى، حيث قامت بتوزيع الفيديو شركة علاقات عامة ممولة من السعودية، وعرض على موظفي
الكونغرس، الذي ألقى مسؤولية القتل والذبح على بلد واحد وهو إيران.
ويقول لاك إن الفيديو هو جزء من حملة علاقات عامة تقوم بها السعودية للتأثير على صناع القرار في الكونغرس والمؤسسات الإعلامية، وتعبر الحملة عن حالة إحباط السعوديين من إدارة الرئيس باراك أوباما، والاتفاق النووي مع إيران والسياسة من سوريا.
ويضيف الكاتب أن "وضع صورة إيجابية عن السعودية أصعب من الهجوم على إيران، وفوق هذا هناك شكوك حول الحملة الجديدة من استخدام اللوبي في أمريكا، حيث تعد السعودية رابع أكبر دولة تنفق على اللوبي عام 2015. ولن تكون قادرة على إعادة العلاقات الثنائية التي أقامها السعوديون مع الولايات المتحدة".
وتذكر الصحيفة أن الملوك السعوديين قاموا خلال القرن الماضي بإقامة علاقات وثيقة ومباشرة مع الرؤساء الأمريكيين، حيث أقاموا زواج مصلحة مع أمريكا المنتجة للسلاح وبلادهم الغنية بالنفط، وانعكست نتائج هذه العلاقات على سياسات واشنطن بالشرق الأوسط، التي انحازت إلى جانب المصالح الأمريكية. وكان يشار إلى السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان (1983- 2005) بـ"بندر بوش"؛ بسبب علاقاته الوثيقة مع الرئيسين بوش الأب وبوش الابن.
ويستدرك التقرير بأنه في ضوء برودة العلاقات بين إدارة أوباما والسعودية، إلا أن الرياض مصممة على القيام بحملة علاقات عامة لا تؤثر على إدارة أوباما فقط، لكن على الساكن الجديد للبيت الأبيض والكونغرس والرأي العام الأمريكي.
ويلفت لاك إلى أن السعودية وقعت خلال الأشهر الماضية على سلسلة من العقود مع كبرى شركات الضغط الأمريكية ومسؤولي اللوبي، الذين يعملون مع الجمهوريين والديمقراطيين، ومعظمهم لديه علاقات مع المشرعين الأمريكيين والمرشحين للرئاسة الأمريكية القادمة.
وتوضح الصحيفة أن هؤلاء المسؤولين وعدوا بتلميع صورة السعودية في الوسائل الإعلامية الأمريكية، وتعزيز الدعم لها في مجلسي النواب والشيوخ، ودعم سياستها المعادية لإيران، مشيرة إلى أن هناك أولوية أخرى، وهي التأكد من استمرار تدفق السلاح لمساعدة السعودية في الحرب التي انخرطت فيها في اليمن، التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه بحسب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، فقد أنفقت السعودية مليون دولار أمريكي لشؤون اللوبي في عام 2015، لافتا إلى أن معظم النفقات على اللوبي متعلقة بإيران، والمحاولة لمواجهة التقارب بين واشنطن وطهران، فقد تم الدفع للسيناتور السابق نورم كولمان عام 2014، لتقديمه "الدفاع فيما يتعلق بالتطورات القانونية والمتعلقة بالسياسة تجاه إيران وتخفيض قدرات إيران النووية"، وفي آذار/ مارس 2015، قامت السفارة السعودية في واشنطن بدفع 50 ألف دولار لشركة محاماة تعاقدت معها، وهي "دي أل إي بايبر"؛ من أجل الوصول إلى أعضاء الكونغرس وموظفيه "للدفاع عن المصالحة الوطنية المشتركة".
ويذكر الكاتب أن السعودية حولت جهودها، منذ توقيع الاتفاق النووي، من منع تطبيقه إلى تخفيض آثاره المتعلقة بتخفيف العقوبات والتنازلات الأخرى.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في شؤون السعودية في جامعة تكساس "إي أند أم" غريغوري غوس، قوله: "صار الاتفاق النووي واقعا ولا يمكن وقفه، وفهم السعوديون هذا الأمر، وربما وجدوا بعض الطرق لمواصلة الضغط على إيران".
ويجد التقرير أن جهود اللوبي تمتد إلى الإعلام الأمريكي، من خلال توفير وقت ومساحات لمقابلات مع محللين مؤيدين لوجهة النظر السعودية، ودعم مقالات رأي في الصحف، بالإضافة إلى عقد حفلات عشاء ومساعدات، بينها واحدة حضرها الملك سلمان بن عبد العزيز في أيلول/ سبتمبر 2015، مشيرا إلى أن النواب المؤيدين للسعودية يدفعون باتجاه تشديد العقوبات على إيران وبرامجها المتعلقة بأنظمة الصواريخ الباليستية، ومحاولة منع إدارة الرئيس أوباما من رفع عقوبات جديدة عنها.
وينقل لاك عن مصدر في الكونغرس قوله: "نحن قلقون من ذهاب الأموال التي سيفرج عنها مباشرة إلى الجماعات الإرهابية المدعومة، ونحن نستمع لكل من حلفائنا في إسرائيل والسعودية".
وتنوه الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي تمت فيه نقاشات برلمانية في بريطانيا وكندا، حول أخلاقيات تسليح السعودية، التي تقوم قواتها بحرب في اليمن، فإن هناك صمتا في واشنطن، حتى مع انتقاد منظمات حقوق الإنسان لتساقط القتلى في اليمن، الذين زاد عددهم على 2500 شخص والكارثة الإنسانية المستمرة.
ويورد التقرير نقلا عن مدير برنامج الطاقة والخليج في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى سايمون هندرسون، قوله: "يعد اليمن مشكلة للسعودية، ولكنها نجت حتى الآن من انتقادات الإعلام الغربي".
ويكشف الكاتب عن أنه في آذار/ مارس 2015، وقبل بدء الهجمة الجوية على اليمن، وقعت السعودية وشركة لوبي "كيوأورفيس" مع "تارغيتد فيكتوري"، وهي شركة استراتيجية رقمية أنشأها مسؤول في اللجنة القومية الجمهورية مايكل بيتش من أجل "الترويج للسعودية"، واستهدفت الحملة الكونغرس والإعلام والمحللين، وأنتجت البوابة الإلكترونية "آريبيا"، وتقدم صورة إيجابية عن الحرب السعودية في اليمن.
وتفيد الصحيفة بأن السعودية تقوم بجهود لإقناع الكونغرس بالموافقة على صفقة لشراء قنابل ذكية بقيمة 1.29 مليار دولار، وقد وافقت عليها وزارة الخارجية، ويعتقد أنها محاولة من السعودية لتجديد ترسانتها التي أجهدتها الحرب في اليمن، التي مضى عليها 10 أشهر، مشيرة إلى أن السعودية حققت في الشهر الماضي نصرا في العلاقات العامة، عندما صورت إيران بالدولة "العدوانية"، فمن خلال الاتصال بالمؤسسات الإعلامية وغمرها بالمعلومات والمقابلات حول الاعتداء على سفارتها في طهران، نجحت الرياض في حرف الأنظار عن الإعدامات التي نفذتها بداية كانون الثاني/ يناير، إلى التركيز على العدوان الإيراني على سفارتها.
ويرى لاك أن هناك تحديات للسعودية تتعلق بالشكوك التي تتحدث عن علاقة السعودية بالتطرف، التي تعود إلى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، بالإضافة إلى سجل السعودية في مجال حقوق الإنسان، وسجن المدون السعودي رائف بدوي، و"عليه فإن حملة بمليون دولار لا يمكنها تصحيح هذه الصورة، كما يقول المحللون. ويقول هندرسون: "هذه الحوادث لا تجد رضا من صناع السياسة أو الرأي العام، الذي يحمل شكوكا من السعودية".
ويخلص الكاتب إلى أن هذا لا يمنع السعودية من محاولة التأثير على السياسة، ويقول المحلل السياسي في السفارة السعودية فهد ناظر: "هناك إجماع بين المسؤولين السعوديين على أن هناك مأزقا مع إدارة أوباما، ويرون أن التركيز الحقيقي هو على عام 2017". ويضيف: "يأمل السعوديون بتقوية موقعهم من خلال (سرد قصتهم) للرأي العام والكونغرس".