لم يكن الهدوء النسبي الذي عرفه سكان منطقة السيدية، جنوب غرب
بغداد، بين عامي 2007 و2013، نهاية للممارسات
الطائفية التي شهدتها المنطقة ذات الأغلبية السُنية؛ فقد عادت مجددا ممارسات القتل والخطف على الهوية، بالإضافة إلى عمليات التهجير القسرية.
ويروي الشاب علي الجبوري، في حديث خاص مع "عربي21"، كيف اختطفت
مليشيات مسلحة والده وشقيقه من داخل متجرهم بالشارع التجاري وسط السيدية، وضح النهار وأمام أنظار عناصر أجهزة الأمن المكلفة بحماية الشارع، دون أن يحركوا ساكنا لمطاردة الخاطفين، بحسب وصفه.
وقال: "كان أبي الطاعن بالسن وأخي عمار (22 سنة) يتواجدان داخل المتجر عندما داهمه مسلحون، وكانت توجد مجموعة من الزبائن. ووفق شهاداتهم، فإن الخاطفين كانوا جميعا ملثمين، ويرتدي بعضهم الزي العسكري، ووضعوا والدي وأخي في سيارة دفع رباعي مظللة، وغادروا على عجل وهم يطلقون العيارات النارية في الهواء لإخافة الأهالي. ومنذ ذلك اليوم، لا نعلم مكان احتجازهم، ونجهل مصيرهم".
وأضاف: "مدينة السيدية بعد الصراع الطائفي الذي شهدته قبل عدة سنوات، تم عزل أحيائها ومناطقها الرئيسية عن بعضها البعض بكتل خرسانية، وأحيطت من الخارج بحواجز إسمنتية، وبات للمدينة حاجز أمني واحد للدخول والخروج، وكل من يمر عبر هذا الحاجز يخضع لعملية تفتيش دقيقة، وإذا تبين أن الداخل لا يحمل أوراقا ثبوتية تدل على أنه من سكان السيدية يطلب منه عناصر الأمن إحضار شخص كفيل للسماح له بالدخول".
وتساءل مستغربا: "كيف مر هؤلاء عبر الحاجز الأمني وسط هذه الإجراءات المشددة المعقدة؛ للقيام بالاختطاف؟".
وتابع الجبوري: الجهة التي اختطفت والدي وأخي معروفة الهوية، على الأقل بالنسبة لنا نحن المدنيين، وكذلك لدى الأجهزة الأمنية العاجزة عن مواجهتهم، هي مليشيات الحشد الشعبي التي تجوب شوارع بغداد جهارا نهارا بسيارات وأسلحة الدولة"، وفق تعبيره.
وتحدث الأهالي عن قيام مجموعة مجهولة مسلحة تستقل سيارة حديثة لا تحمل لوحات أرقام، ولديها بيانات كاملة عن كل عائلة تقطن المدينة، وقامت باغتيال عدد من أبناء المدينة. وعمليات الاستهداف تلك لم تكن عشوائية، فهي تنتقي عشائر وعائلات معروفة، والهدف منها -كما يقول أبو مروان القيسي أحد وجهاء المدينة- "تهجير سكانها بقوة ترهيب السلاح".
وقال أبو مروان في حديث خاص لـ"عربي21": "عودة إنعاش الطائفية المقيتة ساهم بتهجير مئات الأسر، ومعظم هذه العائلات هي من الطبقة المثقفة.. تركت منازلها عن طريق التهديد بالرسائل التي تطالبهم بالمغادرة".
وأوضح القيسي أن "رحيل قسم من العائلات شجع فرق الموت بانتهاز الفرصة، وتصفية من رفض المغادرة، وتهجير أكبر قدر، بعد تأكدهم من أن الغالبية العظمى من السكان لا يستطيعون الرد بالمثل وحمل السلاح واستخدام منطق العنف والقتل للدفاع عن أنفسهم".
بدوره، أكد مصدر أمني، فضل عدم كشف اسمه، في حديث خاص مع "عربي21"، أن مليشيات شيعية مرتبطة بأحزاب دينية متورطة بما يحصل من جرائم في السيدية، بتواطؤ من ضباط شيعة.
وقال الضابط إن هذه المليشيات "تغذي وتشارك بصورة مباشرة أو غير مباشرة بإذكاء الصراع الطائفي، وتدعم خلايا نائمة بالمال لإنشاء حسينات شيعية؛ هدفها تغيير ديمغرافية الحي من جديد، وتغيير التركيبة السكانية، مثلما جرى ويجري في محافظات ومدن واسعة في البلاد "، بحسب قوله.
واعترف الضابط صراحة بأنه لا يجرؤ على توقيف أي موكب تابع لتلك المليشيات يريد الدخول إلى المدينة عبر الحاجز الأمني، خصوصا مليشيات الحشد، "فهؤلاء لا يمكن المساس بهم، وإن حصل واعترضتُ طريقهم أو عكرتُ مزاجهم، فإن ذلك سيعرض حياتي وحياة أطفالي للخطر، وربما ألاقي المصير ذاته الذي يواجه العرب السنة"، مشيرا إلى "الخطف أو القتل".