قال خبراء ومختصون في قطاع
الطاقة، إن أزمة
النفط ليست أمرا طارئا، بل ربما تكون تغيرا حقيقيا في خريطة الطاقة العالمية، وإن حالة الانخفاض سوف تستمر لفترة غير قصيرة، بفعل تباطؤ الانتعاش الاقتصادي في البلدان الناشئة، وحتى في المتقدمة منها، خصوصا في اليابان وأوروبا.
يأتي ذلك في الوقت الذي تراهن فيه دول
الخليج على أن أزمة أسعار النفط طارئة، وأن الأسعار سوف تتحسن خلال فترة قد تمتد إلى سنوات، لكن جميع توقعاتها لم تخرج عن إطار تحسن الأسعار.
ووضع هبوط الأسعار إلى مستويات متدنية جميع دول النفط في حيرة، فضلا عن أن توقع مستويات أسعار النفط في المستقبل مستحيلة في ظل متغيرات متلاحقة، يصعب معها التنبؤ بوجود تغير حقيقي إيجابي في أسعار النفط التي هوت من نحو 130 دولارا إلى ما دون 30 دولارا، خلال أكثر من عام واحد.
ورغم حداثة الأزمة، فقد بدت تأثيراتها واضحة على ميزانيات وخطط ومشروعات دول الخليج التي تعتمد بشكل مباشر على النفط، حيث اتخذت
السعودية إجراءات إصلاحية في إطار خطة أطلقت عليها "التحول الوطني"، متجهة بذلك إلى تنويع مصادر ناتجها المحلي الذي يسيطر عائد النفط على نحو 90 في المئة منه.
وفيما كان من المستبعد قبل ذلك ورود كلمة عجز في ميزانيات دول الخليج الثرية بالنفط، فقد تسبب انهيار أسعار النفط في أن يكون العجز أساس أي ميزانية جديدة، أما الذي يتغير فقد كان نسبة هذا العجز من دولة لأخرى.
من جهته، قال خبير الطاقة المصري الدكتور رمضان أبو العلا، في حديثه لـ"
عربي21"، إنه لا يوجد أي مؤشر على تحسن أسعار النفط على المدى المتوسط أو القريب، وهو ما يضع على كاهل البلدان المنتجة والمصدرة للنفط اتخاذ إجراءات جديدة، من شأنها تنويع مصادر دخلها، تحسبا لأي هبوط جديد في الأسعار.
وأوضح أن الميزانيات الجديدة للدول العربية خاصة التي تعتمد على النفط، حددت سعر برميل النفط في حدود 40 دولارا، وهو بعيد تماما عن الحقيقية، وكان عليها أن تبني ميزانياتها الجديدة على أساس أن سعر برميل النفط أقل من 30 دولارا،لتقليص العجز المتوقع وتفادي أي أزمات جديدة قد تطرأ على القطاع الذي يشكل ما بين 50 و90 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج النفطية.
ولفت إلى أن مخاوف نضوب النفط مضافا إليها التغير غير الطبيعي في أسعاره، يفرض واقعا جديدا على دول الخليج، وعليها أن تراجع سياساتها الإنفاقية ومشروعاتها التوسعية، وخططها الاستثمارية، التي تمول من عائد بيع النفط، حيث لا مجال للحديث عن استمرار حياة الرفاهية والسخاء الحكومي في هذه الدول التي بدأت تواجه عجزا لم تواجهه منذ عقود، وهو ما يفرض عليها التعامل بحذر في ملفها الاقتصادي.
وما بين 300 و500 مليار دولار، قدر صندوق النقد الدولي حجم خسائر دول الخليج النفطية بهذه الأرقام جرّاء أزمة النفط، ما يفرض عليها الصرف من مدخرات صناديق الثروة السيادية المقدرة بأكثر من ترليوني دولار جمعتها أثناء طفرة الأسعار، وبعد استنفادها فإنها ستعمل على تطبيق سياسات تقشفية تتواءم مع تقلص إيراداتها المالية وقد تلجأ إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي للوفاء باستحقاقاتها المالية تجاه شعبها.
وعلى الرغم من أن الدول المنتجة للنفط بمنطقة الشرق الأوسط تضمهم منظمة واحدة، وهي منظمة "أوبك"، فإنهم يخوضون حربا ضد أنفسهم بسبب إصرارهم على سقوف الإنتاج المرتفعة، التي تؤدي إلى زيادة المعروض، وانخفاض الأسعار، ما تسبب في العديد من المشكلات الاقتصادية بهذه البلدان، مثل عودة عجز الموازنات، واتجاه بعضها لتخفيض الدعم، بل والاقتراض من الداخل والخارج.
وربما ستبدو الأزمة أكثر حدة في دول السعودية والإمارات، حيث الاعتماد بشكل مباشر على عائدات بيع النفط في تمويل الإنفاق العام، لكنه قد يكون الحال في قطر أفضل نوعا ما، حيث تشير دراسة لمعهد المحاسبين الإداريين إلى أن الاقتصاد القطري لن يتأثر كثيرا بالأزمة، بسبب احتياطاتها الكبيرة من الغاز وضخ الاستثمارات الخاصة بمونديال كرة القدم المقرر في عام 2022.
على صعيد المملكة، فقد أطاحت أزمة تهاوي أسعار النفط بآمال الرياض التي وضعت خططا منذ سنوات للسيطرة على سوق النفط وتعزيز دورها في صناعة النفط العالمية، بحيث تتحول السعودية إلى لاعب أكبر في مجال المنتجات، حتى تصدر في عام 2018 ثلثي إنتاجها من المشتقات والثلث من النفط الخام.
ويرى خبراء أن
البحرين وسلطنة عمان هما الأكثر عرضة لمخاطر انخفاض أسعار النفط، في حين أن الإمارات وقطر هما الأقل عرضة، علاوة علي أنهم يرون أيضا أن دول الخليج لن تكون متضررة عندما يباع برميل النفط بـ40 دولارا، لأن كلفة الإنتاج لديها لا تتجاوز الخمسة أو الأربعة دولارات، لكن دول النفط الصخري سوف تتضرر كثيرا عندما يباع البرميل بالسعر المذكور، وعندما يباع بـ35 دولارا ستكون الخسارة أكبر بالنسبة لها.
وأشارت بعض التقديرات إلى أن سعر النفط التعادلي لإحداث توازن بموازنة البحرين يبلغ نحو 122 دولارا للبرميل عام 2015، و118 دولارا للبرميل عام 2016، وهو ما يضع البحرين في موقف أكثر صعوبة وسط توقعات بتفاقم العحز الكلي خلال الفترات القريبة المقبلة.
وقد يكون هناك تدخل عاجل في حال استمرار التراجع، حيث قد تلجأ الحكومة لتوظيف صندوق ضبط الإيرادات واحتياطي الصرف، دون المساس بوضعية الجباية والبرنامج الخماسي للنمو 2015- 2019، مع استخدام الحل المناسب للمشهد الأول.
وقد تواجه المملكة صعوبة في الوفاء بالعديد من تمويل المشروعات الرأسمالية، إلا عن طريق الاقتراض الداخلي، وهو الخيار المتاح والأقل تكلفة في الوقت الراهن، قياسا على توافر السيولة المحلية بقدر كاف جدا، مع الإشارة إلى عودة "المزاحمة الحكومية" على الائتمان المحلي، التي ستحتدم كثيرا إن تجاوزت المرحلة الراهنة عامين أو أكثر من خيارات النمو بالنسبة للقطاع الخاص.
يضاف إلى السابق احتمال انخفاض الصادرات إجمالا بنحو الثلث، والصادرات النفطية تحديدا بنسبة تفوق 35 في المئة، يقابلها انخفاض الواردات بنصف تلك النسب أو أعلى بقليل، وانعكاس كل تلك التطورات على خفض معدلات نمو السيولة المحلية -وتحديدا الودائع المصرفية- والائتمان المصرفي لما دون نصف معدلات نموه المتحققة سابقا.
وتدفع أزمة أسعار النفط إلى خفض تكلفة المعيشة على المواطنين بصورة كبيرة، وذلك من خلال الانخفاض المتوقع على أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية، نتيجة انخفاض إيجارات المحال التجارية والمصانع والشركات، وفي الوقت ذاته الانخفاض في تكلفة إيجارات المساكن، التي تستقطع في الوقت الراهن نحو نصف الدخل السنوي أو أكثر للمواطنين العاملين.
يشار إلى أن قطاعات عدة في دول الخليج، بدأت في البحث عن أسواق جديدة لمنتجاتها لتعويض الخسائر التي منيت بها بسبب انخفاض أسعار النفط، لكن السعودية تعيش وضعا أكثر صعوبة بسبب نفقات الحرب في اليمن، بخلاف تفاقم أزمة البطالة بعد تراجع معدلات النمو العام وتفاقم العجز الكلي.