يبدو أن المشهد السوري أصبح أكثر تعقيدا ممّا يظن أي مراقب، بعد أن ترك التحالف الدولي بقيادة أمريكا أمر الحل والعقد فيها لـ"
روسيا"، التي أصبحت قبلة للقادة العسكريين في الإقليم الملتهب.
فزيارة وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج إلى روسيا، التي سبقتها زيارة قائد الجيش الأردني المشير أول مشعل الزبن، ليست منقطعة من سياق تفاصيل الأحداث على الأرض، سواء كانت عسكرية أو سياسية، فالمعارضة السورية جرّت جرّا إلى محادثات "
جنيف3" لم تكن في أحسن أحوالها، حيث ساحة المعارك على الأرض بدت ترجح -بحسب مراقبين- لصالح النظام وحلفائه، وما سقوط منطقة "الشيخ مسكين" إلا الورقة الرابحة الأولى التي منحتها روسيا للنظام السوري قبل المحادثات.
ويرى مراقبون في توقيت زيارة وزير الدفاع السوري إلى موسكو والمواد المطروحة على طاولة البحث تأكيدا لا لبس فيه على أن خارطة العالم الجيوسياسية الجديدة إنما تبلورت وترتسم على أرض
سوريا، بحسب "روسيا اليوم".
والملفت في الزيارة توقيتها، إذ إنها تأتي عشية اجتماعات السوريين في جنيف بين فرقاء اختلف الناس على تصنيفهم، بين ممثلين عن "النظام" وممثلين عن المعارضة.
وبالعودة إلى توقيت زيارة الزبن والفريج إلى موسكو، واجتماعاتهما بكبار القادة العسكريين الروس، فإن موسكو تريد به التشديد على ضرورة العمل الإقليمي والدولي. فالتعاون مع بلدان الجوار السوري مستمر، بخاصة الأردن وثيق الصلة بتطورات الجنوب السوري.
كما تريد موسكو من استقبال وزير الدفاع السوري تجديد التأكيد -وفي هذا التوقيت تحديدا- على متانة العلاقات الروسية السورية، التي ترقى حينما تدير قواتهما العسكرية عملا حربيا مشتركا إلى مصاف العلاقات بين الحلفاء.
وتريد التذكير، وبالتوازي مع استمرار العمل العسكري، بأن التسوية تسير قدما، ومحاولات إقناع السوريين بالجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض شارفت على الإثمار ولو بحصرم، فيما يبقى العمل العسكري في سوريا شرا لا بد منه.
ومنذ بداية الأزمة السورية، عادت روسيا للمنطقة بهدف الدفاع عن مصالحها بقوة، وتعامت عن رؤية ميثاق الأمم المتحدة الذي لوحت به موسكو من أعلى المنابر، للتذكير بأنها كانت قد أسست له والحلفاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية بعد نصر ساحق على النازية كان لها الدور الرئيس في انتزاعه.
وقالت "روسيا اليوم" في تقريرها المنحاز، إنه طالما حذرت روسيا الغرب من مغبة اللعب على الحبلين، ومحاولات الجلوس على كرسيين في آن واحد؛ إذ إنه لا يمكن تدمير الدول وهدم معابدها بحجة الدفاع عن الحريات فيها.. حريات جرت العادة على أن تتسق بالمطلق مع سياسات واشنطن وتخدم مصالحها السياسية.
وأشارت إلى أن الحرب في سوريا وحرب العقوبات ضد روسيا، لم تثمرا سوى التركيز بشكل أكبر على تعزيز القدرات الدفاعية، فيما سجل الإنتاج الصناعي زيادة قدرها 10 في المئة، حسب آخر تقرير رسمي.
وتساءلت "روسيا اليوم" في ختام تقريرها: هل يعوض الثمن الذي بذله حلفاء واشنطن لتحويل مسار التسوية والحل في سوريا ما أنفقوه حتى الآن، ويردّ ما ضيعوه من نقاط سياسية وجيوسياسية؟ وهل كان جون كيري -الذي نفخ في نار النزاع السوري أكثر من غيره- جادا في نواياه حينما حذر المعارضة السورية عشية "جنيف 3" من مغبة الامتناع عن التفاوض تحت طائلة تخلي الحلفاء عنها؟
وتجاهل تقرير "روسيا اليوم" حقيقة أن مواقف واشنطن لم تكن منحازة للثورة، بدليل أنها هي لا غيرها من واصل الضغط على داعمي الشعب السوري طوال الوقت لحرمان الثوار من السلاح النوعي، ولو فعلت، لتغير المهد. ولا بد أن الروس يذكرون جيدا كيف غيّر "ستينغر" المضاد للطائرات ميزان القوى في أفغانستان، وفتح الباب أمام هزيمة الاتحاد السوفياتي المذلة هناك.
وكانت قوات النظام السوري سيطرت على بلدة الشيخ مسكين الاستراتيجية القريبة من الحدود الأردنية جنوبي البلاد، وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان الثلاثاء الماضي.
وقال المرصد: "تمكنت قوات النظام بدعم من ضباط إيرانيين ومقاتلين من حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى مسلحين موالين لها، من السيطرة على كامل بلدة الشيخ مسكين في ريف درعا الشمالي"، عقب هجوم بدأته قبل نحو شهر.
وأكد الكاتب السوري أحمد أبازيد، أن هذه السيطرة جاءت بعد هجوم من ثمانية محاور، بمشاركة قوات النظام والدفاع الوطني والمليشيات الشيعية (الإيرانية، والعراقية، واللبنانية، والأفغانية) وجيش التحرير الفلسطيني، بحسب قوله.
وتشكل البلدة المدخل الشمالي للمنطقة الجنوبية، وتقع على تقاطع طرق استراتيجية، إذ إنها تصل بين مدينتي دمشق ودرعا (طريق دمشق-درعا القديم)، ومحافظة القنيطرة (جنوبا). وتتواجد قوات النظام في أجزاء كبيرة من مدينة درعا ومحافظة القنيطرة، بينما يسيطر مقاتلو المعارضة إجمالا على مجمل ريف درعا.