تقوم فكرة the voice للأطفال على ذات الفكرة الرأسمالية الاستهلاكية التي تقتات عليها سائر برامج المواهب في الفضائيات على اختلافها.
قوام الفكرة المتاجرة بالإنسان واللعب على أوراق مواهبه، ومهارته في طرحها بسوق العرض والطلب .
وهنا يغدو هو بذاته سلعة استهلاكية تُشعِل سوق الإعلانات وترفع مؤشر المتابعة الجماهيرية، وتخضع لاشتراطات السوق ومتطلبات النجومية السريعة العطب والمصنوعة في مطابخ هذه البرامج.
كل ذلك يتم على حساب الإنسان، واللعب على أوتار مشاعره، سواء صاحب الموهبة أو "السلعة" المعروضة، والمتلقي أو "الشاري" الذي يتم ابتزاز عواطفه بشتى الطرق، حتى لو كان فيها امتهان لكرامة الموهبة بعرض مأساة صحية لها، أو مشكلة اجتماعية، أو العزف على أوتار استدرار العواطف الوطنية، والبكاء على أطلال الأوطان العربية المنتهكة! كل ذلك وأكثر في سبيل شفط جيوب المتلقي ورفع نسبة التصويت والمتابعة، فيما يتماهى الجمهور مع المتسابق في عملية إسقاطية تعويضية، تشعره بأنه جزء من نجاحاته، بعد أن يبتلع الجميع الطُعم المتكنز بشتى الإغراءات.
وما أن ينفض الجمع وينتهي مولد البرنامج حتى تنحسر الأضواء، وتكتشف الموهبة "السلعة" أنها استخدمت لفترة محددة حتى انتهت صلاحيتها، ثم تترك وحدها لتواجه مصيرها بعيدا عن وهج الأضواء وبريقها، لتعاني في صمت مرارة الهجران، وانحسار النجومية التي لوَّحت بالوعد، ثم راحت وخلَّت الموهبة صفر اليدين إلا من رجع ذكريات النجومية، وفتات فرصة هنا أو أخرى هناك.
وقليل من المواهب من تستطيع مواصلة طريق الفن، وغالبا ما يتم تشويه الموهبة بتطويعها لشروط سوق الفيديو كليب، التي تعتمد على التسطيح والإبهار ومخاطبة الغرائز!
المأساة أن يتم التعامل مع الأطفال والطفولة بذات المنطق النفعي الاستهلاكي الذي ينتهج الاستخفاف بمشاعرهم، ويمتهن براءة أعمارهم الغضة ومشاعرهم البكر، فيما ينجرف الأهل وراء غواية النجومية والشهرة واقتناص الفرصة، ووعد رعاية الموهبة، وسطوة الإغراء المادي لطرح مواهب أطفالهم في السوق!
من المؤلم حقيقة أن نرى أطفالا في البرنامج يغنون حالات شعورية وكلمات لا تنسجم مع أعمارهم، ليقفزوا لنضج سابق لأوانه ومشاعر يصعب على طفولتهم وعيها!
والطفل الذي أصبح حديث الناس، ويتفرج على مقاطعه الملايين، ستنقلب حياته رأسا على عقب، وتُستلب منه طفولته بلعبها ونزقها، ويحترق كالفراشة تحت وطأة ضغوط النجومية، التي تفترسه كاميراتها وصخبها. ثم يعاني مرارة انحسارها بعد أن تهجره الأضواء. ناهيك عما يمكن أن تسببه خسارة الطفل في المسابقة من أضرار نفسية فادحة الثمن، قد لا يمكن إصلاحها.
الفنون الراقية عنوان الحضارة وانعكاس لتقدم الأمم ومرآة لمسيرتها، ومن هنا تأتي أهمية رعاية المواهب الناشئة، وصقلها، وتنميتها، وهو استثمار حقيقي في الإنسان، يتحتم التعامل معه بجدية واحترام، وأسس نفسية علمية بعيدا عن الامتهان والابتذال، والاستخدام الاستهلاكي للموهبة والطفولة.
عن صحيفة المدينة السعودية