يقول المحلل الصحافي إيان بلاك في تقرير له في صحيفة "الغارديان" إن "سجن
الحائر في الصحراء جنوب الرياض ليس مكانا جذابا، وهو محاط بجدران إسمنتية وأبراج مراقبة مناسبة تديرها الخدمات الأمنية الداخلية في المملكة العربية
السعودية. وفيه تحتجز الإرهابيين والمعارضين وآخرين تعدهم خطرا على الدولة".
ويضيف الكاتب: "يقوم الحراس بفحص الهويات في حواجز مزدوجة أمام المدخل، وتقوم سيارات (الجيب) العسكرية بحجز المدخل من الطريق السريع. وهدد
تنظيم الدولة قبل أسبوعين بتدمير السجن، بعد إعدام 47 شخصا، معظمهم متهمون بعضوية تنظيم
القاعدة، وكان منهم سبعة في (الحائر) قبل نقلهم لقطع رؤوسهم، أو إطلاق النار عليهم. وفي الصيف الماضي قام عنصر تابع لتنظيم الدولة بتفجير نفسه أمام مدخله".
ويستدرك التقرير بأن الصحافيين الزوار للموقع يتم الترحيب بهم، وتقدم لهم القهوة والكعك، ويطلعون على مراجعة تقدم من خلال برنامج "باور بوينت"، تشرح الأوضاع التي يعيش فيها 1700 سجين، وبرنامج إعادة التأهيل الذي يخضعون له.
ويقول بلاك: "هذا جزء من جهود الحكومة السعودية؛ لإظهار تصميمها على معالجة الإرهاب في وقت تحول فيه تنظيم الدولة إلى تهديد كبير على الشرق الأوسط".
وتعلق الصحيفة بأن سجن "الحائر" يبدو أن إدارته تتم بطريقة حسنة، وتبدو غرف السجن نظيفة، ودهنت أبواب الزنازين الثقيلة بلون بنفسجي، ووضعت قوارير النباتات في الممر، وتحتوي غرف التحقيق على كاميرا تلفزيونية مغلقة وكراسي ومكتب وحلقات من الفولاذ ثقيلة لتأمين قيود السجين، وتتوفر غرف خاصة من سريرين للزيارات الزوجية، وهناك ملعب للأطفال أيضا.
ويقول الكاتب إنه "من الطبيعي الشك بأن سجن الحائر هو محاولة لإثارة الإعجاب تقوم بها إدارة المباحث العامة التي تدير السجن، خاصة أن منظمات حقوق الإنسان تقول إن الأوضاع في السجون الأخرى أسوأ. وتدير المباحث خمسة سجون، وهناك اتهامات بممارسة التعذيب فيها".
وينقل التقرير عن زائر سعودي من مؤسسة أخرى قوله: "هناك الكثير من السجناء ممن يشتكون من المعاملة"، مستدركا بأن السجناء كانوا مستعدين للحديث، ويقول سعود الحربي (30 عاما)، الذي سينهي محكوميته: "تغيرت أفكاري"، وحكم عليه مدة 12 عاما لمحاولته السفر إلى العراق والاتصال بشخص مطلوب. وأضاف الحربي: "شاهدت صور أبو غريب، ولهذا قررت الذهاب إلى هناك، كنت شابا في حينها".
وتورد الصحيفة أن معاذ، الذي اعتقل دون محاكمة لمدة 11 شهرا، بعد عودة طوعية من سوريا، حيث ذهب للقتال ضد نظام بشار الأسد إلى جانب "أحرار الشام"، قال: "اكتشفت أن مسلما يقتل المسلم، وهو ما لم أكن أريده".
ويعلق بلاك بأن "موقف السعودية المتشدد من الإرهاب قد لا يتناسب مع شهرتها كونها بلد أسامة بن لادن و15 من المهاجمين الذين هاجموا الولايات المتحدة في 11/ 9، وتكافح من أجل مواجهة فكرة كونها تصدر فكرا متطرفا يشبه تفكير تنظيم الدولة، لكن الكثير من أفكار هذا التنظيم لا تتناسب مع التفكير المحافظ، وترفض الرياض فكر تنظيم الدولة وتعده خارجيا".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه بعد أن هزم السعوديون تنظيم القاعدة داخل حدودهم قبل عقد من الزمان، عبر الاعتقال والقتل، وقد أعدم عدد منهم في 2 كانون الثاني/ يناير، فهم يريدون التأكيد على جديتهم في محاربة تنظيم الدولة.
وتبين الصحيفة أنه لهذا شارك السعوديون في حملة باراك أوباما ضد تنظيم الدولة عام 2014، ولكنهم قللوا من المشاركة للتركيز على اليمن، وأعلن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الشهر الماضي عن تحالف من الدول الإسلامية ضد الإرهاب، مع أن البعض استقبله بنوع من الشك، بأنه ليس سوى علاقات عامة، ووصفه مدير المخابرات السابق تركي الفيصل بأنه "بناء للنظام".
ويقول الكاتب: "من الواضح أن تنظيم الدولة يهدد السعودية، فقد أشار أبو بكر البغدادي، الذي نصب نفسه (خليفة) للسعودية، واعتبر نجد والحجاز (ولايات) إسلامية، ووصف العائلة السعودية الحاكمة بآل سلول، في إشارة إلى القبيلة اليهودية التي عاشت في المدينة زمن الرسول، وشن التنظيم 15 هجوما في السعودية، قتلت 65 شخصا، وكان أسوأها هجوم على مسجد شيعي في بلدة القديح، الذي قتل فيه 20 شخصا، وكان الهدف من وراء الهجمات مفاقمة النزاع الطائفي".
وينقل التقرير عن المتحدث باسم وزارة الداخلية منصور التركي، قوله: "حاول تنظيم الدولة بناء منظمة لكنه فشل، ولم يستطيع تجنيد وتدريب الأشخاص مثل تنظيم القاعدة"، مشيرا إلى أن الحكومة شجعت السكان على الاتصال بالرقم 990 للإبلاغ عن أي تحرك مشبوه، ويتلقى هذا الرقم في الأسبوع 180 بلاغا حول من يشتبه بعلاقتهم بالإرهاب، وبالإضافة إلى هذا فإن المباحث تقوم بالمراقبة، حيث "تتنصت المباحث على الهواتف، وتعتقل من يذكر اسم تنظيم الدولة"، بحسب ما نقل بلاك عن رجل في الرياض. وقالت امرأة: "هم متشددون في مسألة الإرهاب".
وتجد الصحيفة أنه رغم دعم السعودية للجماعات المقاتلة في سوريا، إلا أن عدد السعوديين المقاتلين في صفوف الفصائل المختلفة يصل إلى 3 آلاف مقاتل، عاد منهم 700 شخص. ويحبذ المسؤولون السعوديون الإشارة إلى نسبة السعوديين القليلة، الذين يقاتلون مع تنظيم الدولة، مقارنة بالتونسيين.
ويقول التركي: "نعم، هناك أشخاص في السعودية متعاطفون مع تنظيم الدولة، ولكن هناك متعاطفون معه في دول إسلامية أخرى، فهناك ما بين ألفين إلى 3 آلاف تونسي لم ينشؤوا فيما يطلق عليها التقاليد الوهابية، أو شيشانيون وداغستانيون، وهناك ممن جاؤوا من بلجيكستان".
ويوضح بلاك أن نسبة من يدعمون تنظيم الدولة لا تزيد على 5%، أي حوالي 500 ألف شخص، بحسب استطلاع أجراه مركز مستقل، مشيرا إلى أن جزءا من الدعم نابع من الإعجاب بهذا التنظيم الذي يقاتل إيران والشيعة. ويعترف السعوديون، ممن لا يحتلون مناصب حكومية، بحجم المشكلة، ويشيرون إلى تأثير أئمة الدين المتشددين في المساجد والمدارس.
ويورد التقرير نقلا عن الاقتصادي مازن السديري، قوله: "كنت أعارض حكم الإعدام، ثم شاهدت ما يفعله تنظيم الدولة، وعندها غيرت رأيي". وتقول المتخصصة في التعليم والتربية فوزية البكر: "نحن دولة مسلمة، ولكن يجب أن نقدم إسلاما معتدلا، فقد اكتشفت الحكومة أن الأيديولوجية العنيفة خطر على مجتمعنا".
وتلفت الصحيفة إلى أن هناك نقدا لبرنامج المحاسبة، الذي يقوم من خلاله استشاريون نفسانيون وخبراء اجتماعيون وأئمة بتدريس المتشددين السابقين وإعادة تأهيلهم، وتقول الدولة إن نسبة نجاح البرنامج هي 85%، وتشمل من قضوا فترة في سجن الحائر.
وينقل الكاتب عن الباحث في مركز الملك فيصل، سعود السرحان، قوله: "نريد أن نكون أكثر انفتاحا". وتقول المعمارية في الرياض هيفاء الحبابي: "هناك شكوى متكررة من أن الذين مروا في برنامج المحاسبة عادوا إلى القتال من جديد، لا يمكنك الثقة بمن تعرضوا لغسيل دماغ".
ويرى بلاك أنه أيا كان الحال، فإن الجهاديين الذين يقاتلون آل سعود يرفضون أي محاولة للإقناع، خاصة منظر تنظيم القاعدة فارس الشويل الزهراني، الذي رفض لقاء الأئمة الذين أرسلتهم الحكومة، ورفض "ركوب سفينة آل سعود؛ لأن سفينتهم لا تحمل إلا طائرات أمريكية".
ويجد التقرير أن المشكلة لن تحل قريبا، ويقول دبلوماسي مقيم في الرياض: "لا تزال السعودية تربة خصبة للتشدد، وهناك أقلية لا يستهان بها متعاطفة مع تنظيم الدولة".
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول الدبلوماسي إن "هناك أقلية صغيرة مستعدة للقيام بأعمال إرهابية سيئة، مثلما كان في وقت تنظيم القاعدة، الآن يقومون باستهداف الشرطة والشيعة، كما يفعلون في العراق. وتظل الخلايا صغيرة تتكون من اثنين أو ثلاثة أو أربعة أشخاص، ورغم أنه من الصعب اكتشافها، إلا أن من الصعب التحرك. وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فوجئت السلطات، ولكنها اليوم جاهزة، وقامت باعتقال الكثيرين. ورغم أن الوضع هش، لكنه تحت السيطرة في الوقت الحالي".