تنتظر دول العالم بفعل
حرب العملات وتباطؤ معدلات النمو العالمي، مزيدا من الأزمات الحادة والقاسية في 2016، وهو العام الذي يتوقع أن يشهد أكبر خسائر لدول
النفط، التي كانت تنفق ببذخ طيلة العقود الماضية.
وقال خبراء ومحللون اقتصاديون إن مسلسل حرب العملات هو الذي يفرض نفسه على الساحة الاقتصادية العالمية خلال الفترات الأخيرة، خاصة بعدما قررت
الصين أن تبدأ الحرب بالحديث والتوجه نحو خفض قيمة عملتها المحلية، لتحفيز وتشجيع صادراتها.
ولأول مرة، ظهر مسمى "حرب العملات" في أيلول/ سبتمبر عام 2010، وجاء على لسان وزير المالية البرازيلي "غويدو مانتيغا"، الذي صار نجما خلال تلك الفترة، مع تحذيره من أن حربا دولية للعملات توشك أن تندلع.
البداية كانت عندما اتجهت أكثر من 20 دولة بينها اقتصادات كبرى قامت خلال الفترة بين كانون الثاني/ يناير إلى نيسان/ أبريل من العام الماضي، إما بخفض معدل الفائدة أو تفعيل تدابير تدعم تخفيف السياسة النقدية، لا سيما المركزي الأوروبي، وهو ما يعني أن العالم أمام حرب من نوع جديدة، وهي "حرب العملات".
وقال المحلل المالي، مصطفى عادل، لـ"
عربي21" إن المستفيد الوحيد من هذه الحرب هي الدول المنتجة والمصدرة، فيما تضم قائمة الدول المضارة كل الدول المستوردة، وبالنسبة لدول المنطقة العربية فكلها سوف تتضرر من هذه الحرب لأنها دول مستهلكة، وهذه الحرب سوف ترفع فاتورة وارداتها، بعكس دولة مثل الصين التي تبحث عن محفزات للنمو في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، وإصابة حركة التجارة العالمية بالركود.
وجميع الدول أصبحت تتنافس ضد بعضها البعض للحصول على عملتهم بالقيمة الأدنى، لأنه كلما زاد سعر العملة في بلد ما، كلما كان من الصعب للأجانب شراء البضائع من هذا البلد، وهذا يعني أن المصدرين سيكون لديهم مشكلة، وستكون تكلفة الواردات أعلى.
وهذا يمكن أن يؤدي إلى وضع يكون فيه الاقتصاد قويا إذا كانت العملة بسعر قليل، وبما أن قيمة هذه العملات يتم قياسها مقابل العملات الأخرى، فإن الحكومة تحاول خفض قيمة العملة الخاصة بهم، فذلك يجبر الحكومات الأخرى إلى الاتجاه ذاته.
وتلجأ الدول إلى خفض قيمة العملة عن طريق التيسير الكمي، وفي هذه الاستراتيجية، يَتعين على الحكومة شراء الكثير من السندات من البنوك بمعدلات مرتفعة، ثم تقوم ببيع السندات مرة آخرى إلى البنوك عند الحاجة للحد من معدلات التضخم.
الخيار الآخر، هو شراء كميات كبيرة من
العملات الأجنبية، ما يساهم في رفع قيمة العملات الأجنبية ويخفض قيمة العملة المحلية، أما الخيارات الأكثر أمانا فتتمثل في أن يلمح البنك المركزي إلى أنه سيتم اتخاذ إجراءات لخفض قيمة العملة في المستقبل القريب، وسوف ينصرف تجار العملة من عن شراء العملة ما يؤدى الى انخفاض أسعارها.
وغالبا ما تلجأ الدول إلى ذلك بدعوى تحفيز صادراتها، ما يعني أن دولة مثل الصين التي تعد من كبرى الدول المصدرة محقة في خفض قيمة عملتها، لكن الدول النامية التي سارت على نخطى الصين ذاتها، من المتوقع أنها سلكت طريقا يزيد من معدلات تباطؤ النمو فيها، ويدفعها إلى مواجهة ركود حاد وعجز كبير، إضافة إلى الضغوط الكبيرة التي سوف تواجهها عملتها مقابل العملات الأخرى.
الدول المستوردة التي قررت خوض هذه الحرب وقررت خفض قيمة عملتها، سوف يعاني مواطنوها من ارتفاع الأسعار بنسب قياسية، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم الذي يقود في النهاية إلى ركود اقتصادي، يدفع إلى مزيد من الإجراءات الصعبة التي لم تكن مثل هذه الدول بحاجة لها، قبل خوض هذه الحرب.
وقال محللون اقتصاديون إن أكبر تهديد يواجه استقرار النظام النقدي العالمي يتمثل في تحول الحديث الحالي عن "حرب عملات" إلى صراع حقيقي بين القوى الاقتصادية العظمى البازغة من رحم الأزمة بقيادة الصين والأخرى المهيمنة على عملات الاحتياط في العالم، التي تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بعرشها، الأمر الذي دعا اقتصاديين بوصف هذه الحرب المنظورة بأنها المسمار الأخير في نعش النظام النقدي العالمي.
ولفتوا إلى أن إرهاصات تلك الحرب التي يتوقعها البعض ويستبعدها آخرون، أخذت تظهر مع تفاقم حالات العجز الضخمة في المعاملات الجارية للولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود الأخيرة، التي قوضت الثقة بالعملة الخضراء، ودينها الخارجي المتنامي، الأمر الذي زاد من وتيرة التنبؤات بصورة متزايدة بنهاية سيطرة الدولار.
وربط كثيرون بين ما يثار حاليا عن حروب العملات وسياسة التيسير الكمي الأمريكية، التي كان لها آثار جانبية على تخفيض سعر الدولار، وخلق تدفقات رأسمالية الى الخارج، بالإضافة الى سياسة الصين في تخفيض سعر صرف "اليوان"، وبالتالي الحاجة إلى إعادة تقييمه بالسعر الحقيقي.
وأوضحوا أن "حروب العملات" تصاعدت، نظرا لأن النظام النقدي الدولي الحالي لا يقدم حلولا شاملة لقضايا الاقتصاد العالمي، بل حلولا مؤقتة، ووسط احتدام الجدل حول مسارات حرب العملات بدأت المؤسسات المالية والنقدية في مختلف انحاء العالم ترسم التصورات والسيناريوهات لتحديد ملامح الوريث الشرعي لعملة الاحتياط العالمي المقبلة على خريف جديد تتآكل معه نضورتها، وينقشع لونها الأخضر.
وتتلخص سلبيات خفض قيمة العملة، في أنه مع دعم الصادرات يظهر داخل بنيان الاقتصاد تحرك للاستثمارات والثروة نحو القطاعات المعتمدة على التصدير، وإهمال باقي القطاعات، ومن ثم يحدث خلل هيكلي داخلي، وتضخم للمستورد مع ارتفاع قيمة الواردات، خصوصا في الاقتصادات المستهلكة.
وسوف يدفع ذلك إلى خفض الإنتاجية على المدى الطويل، حيث يبقى استيراد المعدات والآلات مكلفا للشركات المحلية، وإذا لم يتواز مع خفض العملة إجراء إصلاحات هيكلية حقيقية فستتضرر الإنتاجية في نهاية المطاف.
يترتب على ذلك إعاقة حركة التجارة العالمية بسبب نصب كمائن "الحمائية التجارية" من قبل بعض الدول، في ظل رد فعل مضاد لتخفيض شركاء تجاريين عملاتهم، علاوة على ردع الاستثمارات الأجنبية من دخول الدولة المخفضة لعملتها.
ومما لا شك فيه، أن تسريع الصين وتيرة خفض قيمة اليوان أكد العودة إلى الحديث عن حرب العملات إلى أسواق المال من جديد، حيث فسره البعض بأنه محاولة من بكين لتعزيز قدرتها على المنافسة ودعم المصدرين الصينيين في ظل تباطؤ اقتصاد البلاد.
ويؤدي خفض قيمة العملة المحلية في الدول التي تعتمد على التصدير إلى دعم اقتصادها، لأن المصدرين يستفيدون من مكاسب متزايدة حين يحولون الأرباح التي يحققونها من بيع منتجاتهم في الخارج مقابل عملات أجنبية.
ويخشى البعض من أن يكون هبوط اليوان مؤشرا على تفاقم الصعوبات التي يواجهها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا سيما بعد سلسلة من البيانات التي يظهر بعضها انكماشا، وبعضها تباطؤا في أنشطة التصنيع والخدمات.
ويفرض استمرار خفض قيمة اليوان ضغوطا على دول آسيوية أخرى لخفض قيمة عملاتها كي تحتفظ بقدرتها التنافسية أمام آلة التصدير الصينية الضخمة.