أصبحت متيقنا أن الانقلاب العسكري في
مصر كان الهدف منه هو إعادة مصر إلى المربع الأول للتخلف حتى تظل مصر في مستنقع ثالوث التخلف وهو الفقر والمرض والجهل، وقد أعلنت ثورة يوليو 52 الحرب على هذا الثالوث، لكن هل استطاعت مصر القضاء على هذه الأمراض التي ضربت المجتمع بعد 70 سنة مرت على الحكم العسكري لمصر؟ فكيف حال المصريين بعدما وعدهم مبارك بالإصلاح
الاقتصادي، وأن مصر لها غد مشرق، وستخرج من أزماتها في عام 1995 بعد تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي بما يمكن الاقتصاد من فتح فرص عمل أمام الشباب، وزيادة رفاهية المصريين؟
ولكن ما تم على أرض الواقع أن زادت نسبة الفقر في مصر وتعدت ربع سكان مصر، فهذه النسبة من السكان تعيش على دولارين في اليوم الواحد، والفقر في تزايد مستمر نتيجة ارتفاع الأسعار، والتي تؤدي إلى تدهور في القوة الشرائية للمصريين، ومما زاد الطين بلة سياسات الانقلاب العسكري التي قلصت الدعم الموجه للفقراء، ما أدى بطبيعة الحال إلى رفع الأسعار وتدهور الدخول وسوء الحالة المعيشية.
أما عن الوضع الصحي للمصريين، فمصر أصبحت مستوطنا لأمراض فتاكة كأمراض الكبد والكلى والقلب، فقد احتلت مصر المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط والعالم في فيروس c للكبد، فلا يجد المريض ما يحتاج من علاج، فضلا عن عجز المستشفيات الحكومية عن توفير أى احتياجات أو إجراء عمليات للمرضى، لدرجة أنك تجد حالة ولادة في الشارع، ولا يوجد أى برنامج قومي لعلاج أى من هذه الأمراض أو عمل مسح شامل لإعداد المرضى والعمل على وقف انتشار المرض الذي ينقل للمصريين يوميا، سواء في عيادات أطباء الأسنان أو محلات الحلاقة أو حتى المستشفيات العامة.
أما الجهل، فمعدل الأمية بلغ ربع السكان في مصر بعد مرور 70 سنة من جعل التعليم كالماء والهواء، فالتعليم المجاني أدى بنا إلى وزير تعليم لا يجيد الكتابة فضلا عن انتقال التعليم من المدارس إلى البيوت وانهيار التعليم وتسرب جزء كبير من دخول المواطنين إلى الدروس الخصوصية، فمشاكل التعليم معروفة ومعلومة لكن لا مجيب.
على النقيض من ذلك من يعيش في الغرب فترة يشعر أن النظام الاقتصادي في الغرب يجعل أن هناك اتساقا وتكاملا بين كل أركان النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ككل متكامل، فالاقتصاد في الغرب هو الموجة الأولى للسياسات الحكومية، وكل السياسات تصب في صالح هدف واحد هو المواطن، فإشباع رغبات الإنسان هو الغاية والوسيلة في آن واحد، فالمحرك الوحيد للنشاط الاقتصادي هو المواطن وباقي عناصر النظام خدم له.
فالمواطن في النظام الغربي هو المنتج والمستهلك، هو المدخر والمستثمر، والحكومة تعي ذلك وتدرك أن إطلاق قوى مواطنيها في الاقتصاد هو هدفها الأول، فيمكن لك أن تؤسس شركتك وأنت في بيتك، خلال ساعة واحدة، أو يمكن أن تقوم بإيداع شيكاتك وأنت في بيتك دون أن تذهب إلى البنك على الإطلاق، وبطبيعة الحال كل فواتيرك تدفع من حاسبك الشخصي، فضلا عن عمل بطاقتك الشخصية أو استخراج شهادة ميلاد لك أو لأسرتك وأنت في بيتك.
فالمواطن هو مصدر قوة الاقتصاد، فهو الذي ينتج ويدفع الضرائب، والدولة سكن في ضميرها هذا المعنى فتعامل المواطن على أنه سيد وليس خادما للحكومة.
أتذكر في إحدى المرات أن الحكومة الأمريكية قامت بمصادرة كل الخضروات من السبانخ من جميع محلات بيع الخضار للاشتباه بأنها تصيب بمرض السيمونيلا، وتجد التعاون بين المنتج والمستهلك والتاجر للحفاظ على صحة المواطن كهدف، ولن أحدثك عن مدى الخدمات المقدمة في المدارس للأولاد للتعلم والانضباط والتفوق.
والنظام مبني على التدافع بين كل الشركات والمؤسسات حتى يظل الصراع قائما لخدمة المواطن في النهاية، وتستشعر أن كثيرا من القوانين واللوائح الاقتصادية في منتهاها موصول بالشريعة الإسلامية التي تسعى إلى حفظ النفس والعقل والمال والنسل.
أما نحن فقد تركنا شريعتنا وتركنا إنسانيتنا وانسلخنا من جلدنا، والانقلاب في مصر يظن أنه من الممكن أن ينجح وهو واقع في وحل الفشل لا محالة.