عقب كل غارة جوية تشنها مقاتلة روسية على مدينته مارع، في ريف
حلب الشمالي، يلتحف صبحي بكور بشال صوفي يتقي به البرد القارس، ويركب دراجته النارية، في محاولة منه للبحث عن منزل آمن يؤمن لأطفاله الثلاثة الحماية، خارج مدينته التي يتعرض مركزها للقصف بالصواريخ الفراغية التي تطلقها الطائرات الحربية الروسية بشكل شبه يومي، في الوقت الذي تتعرض فيه أطراف المدينة القريبة من الجبهات لقذائف مدفعية يطلقها
تنظيم الدولة الذي يحاصر المدينة من ثلاث جهات.
لكن بكور في كل مرة يعود خالي الوفاض؛ لأن جميع مدن الريف الشمالي المجاورة تتعرض للقصف أيضا، ولأن الحدود التركية مغلقة منذ أشهر.
مع عودته إلى المنزل مجددا، يتحاشى بكور (35 عاما) النظر في عيون أطفاله المليئة بالخوف، والمترقبة لعودته بفارغ الصبر. "إلى أين سأذهب بهم؟"، يتساءل بكور، ثم يضيف لـ"عربي21": "كل المدن هنا تتعرض للقصف الروسي، من اعزاز إلى تل رفعت وغيرها، والطرق إلى مدينة عفرين مغلقة، والحدود التركية مغلقة أيضا، والمخيمات الحدودية ممتلئة".
ولأن المنطقة مهددة بالانفجار، كما يقدّر بكور، يرى أن القادم مخيف وينذر بكارثة إنسانية. ويضيف: "الاشتباكات الأخيرة بين وحدات حماية الشعب الكردية، وفصائل المعارضة جعلت من كامل الريف الشمالي صفيحا ساخنا، وجعلت المنطقة محاطة بجبهات ساخنة، مع التنظيم شرقا، ومع النظام جنوبا، ومع الوحدات غرباً، وشمالا الحدود التركية مغلقة".
حال بكور حال أغلب الأهالي في الريف الشمالي الذين تقطعت بهم السبل، بعد أن عجزوا عن توفير وجهة محددة للنزوح، بفعل التسخين العسكري على أكثر من محور، وبفعل
القصف الروسي المتجدد، للتجمعات السكانية الكبيرة والصغيرة منها.
وشكلت حادثة إسقاط القوات التركية للطائرة الروسية الحربية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بداية التصعيد الروسي على المدن الرئيسية في الريف الشمالي، بعد أن كانت تنعم تلك المدن باستقرار نسبي.
وتعليقا على ذلك، يؤكد القائد العسكري في لواء المعتصم، ناصر بلال، أن "الطيران الروسي، ومنذ بدء طلعاته الجوية، بعد إسقاط الطائرة الحربية الروسية، لم يستهدف إلا المدنيين العزل"، مضيفا لـ"عربي21": "إلى جانب استهداف المدنيين، دأبت المقاتلات الروسية أيضا على استهداف الشاحنات المحملة بالنفط التي تنقل المحروقات، ما ساهم في ارتفاع جميع أسعار المواد الاستهلاكية ومواد التدفئة، للقضاء على كل أشكال الحياة".
القائد في لواء المعتصم التابع للجيش الحر؛ قال أيضا: " لقد ساهمت الغارات الروسية بتهجير العائلات من منازلها، وجعلتها تفترش الأرض وتلتحف السماء، في ظل موجة البرد الشديدة والثلوج المتساقطة".
من جهته، يرى مدير تحرير وكالة "شمال برس" الإخبارية المحلية، محمد زياد، أن الاشتباكات التي تجددت مؤخرا في محيط مدينة عفرين "خسارة لإحدى أهم وجهات النزوح أمام المدنيين". ويوضح: "قد يكون من المستحيل أن يتوجه الأهالي إلى مدينة عفرين؛ لأن غالبيتهم، إن لم يكن كلهم، لهم أقارب في الجيش الحر الذي يتصارع مع الوحدات (الكردية) التي تسيطر على المدينة".
ويتابع خلال حديث لـ"عربي21": "بعد خسارة عفرين لم يتبق للنازحين إلا الأمل بأن تفتح
تركيا حدودها، للتسهيل من دخول المدنيين، عوضا عن اضطرارهم للدخول بطرق غير شرعية إلى الأراضي التركية، ودفع مبالغ مالية تصل لنحو 100 ألف ليرة سورية للمهرب على الشخص الواحد فقط، مع المجازفة بالموت".
وكمثل زياد، يرى المنسق الإغاثي مصطفى حافظ؛ في فتح تركيا حدودها أمام النازحين خيارا أخيرا، عوضا عن العيش مع الموت.
ويقول لـ"عربي21": "بدأت المنظمات الإغاثية تفكر في إنهاء نشاطها بالمنطقة، وذلك بسبب المخاطر التي تتعرض لها الكوادر الإغاثية، وخصوصا بعد استهداف المقاتلات الروسية للشاحنات المحملة بالمواد الإغاثية".
ولفت حافظ، المنسق في منظمة "ميرسي كور" إلى أن "منظمتنا تنشط في الريف الشمالي بشكل فاعل، وقد يكون لغيابها دور مأساوي على حياة المدنيين هنا"، كما يقول.