يواجه المدنيون من أهالي مدينة
تكريت العراقية، الذين قرروا العودة مؤخرا للمدينة، ازدياد عمليات
الاختطاف والسطو المسلح، مع استهداف شريحة أصحاب الكفاءات العلمية والطبية. وتُتهم مجموعات تابعة لمليشيات الحشد الشعبي، التي كانت قد فرضت نفسها بالقوة بعد طرد تنظيم الدولة من تكريت، بالوقوف وراء هذه العمليات.
ومع عودة ممارسة تلك الفصائل الشيعية للخطف والسلب والمساومة، باتت أحياء مدينة تكريت تخلو من حركة السكان في النهار، حيث اعتاد الأهالي على إغلاق أبواب منازلهم ومحلاتهم التجارية قبل الرابعة عصرا.
محمد العجيلي (55 سنة)، طبيب اختصاص وعمل ضابطا في الجيش العراقي السابق، لم تمض على عودته هو وأفراد عائلته إلى منزله الكائن في شارع الأربعين وسط تكريت، سوى أيام معدودة؛ حتى تعرض ابنه خطاب للخطف على أيدي
المليشيات، وصار رقما ضمن قوائم مجهولي المصير.
ويروي العجيلي ملابسات الاختطاف ابنه من قبل تلك المليشيات، ويؤكد أن عملية الخطف كانت مقصودة، كون فصائل الحشد تمتلك قاعدة بيانات لعدد كبير من الضباط العراقيين والعلماء في مختلف الاختصاصات، وسبق أن شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، ممن يقطنون تكريت.
وقال في حديث لـ"
عربي21": "كان خطاب البالغ من العمر 11 عاما يلعب مع مجموعة من أطفال الحي في باحة المنزل عند وقت الغروب، وهو اعتاد الخروج مساء، وكنا نسمح له بذلك فلا يوجد ما يثير القلق لمنعه".
ويضيف: "فجأة سمعنا أصوات صراخ الأطفال. هرعنا جميعا لمعرفة ما الذي يجري في الخارج، حينها لم نجد خطاب بين الصبية. وفي تلك اللحظات ذكر أحد أصدقائه أن رجلا يرتدي بزة عسكرية مع آخرين؛ سحبوه من بيننا ونحن نلعب كرة القدم، واقتادوه معهم بإحدى السيارات المتوقفة على بعد أمتار، وكنا ننظر إليه كان يصرخ ويبكي بشدة"، وفق ما ينقله الأب عن أصدقاء ابنه.
وقال: "لم نستطع في بادئ الأمر التحقق من الجهة التي اختطفته، وواصلت البحث لمعرفة الجناة الحقيقيين بمساعدة بعض المحققين، بعد عجز الأجهزة الأمنية عن تحديد هويتهم، وهي الغائب الأكبر في تكريت بالرغم من تكرار هذه العمليات بصورة شبه يومية؛ تستهدف حتى أبناء المنتسبين لشرطة صلاح الدين وبالأخص السنة"، لافتا إلى أن معظم عمليات الاختطاف كانت موجهة ومنظمة ضد الكفاءات العلمية والضباط السابقين والعائلات العائدة للمدينة، وتبين أن المجموعات الخاطفة هي جهات تمتلك إمكانيات هائلة تفوق إمكانيات وقدرات أجهزة الدولة، وفق تقديره.
وقال العجيلي، بصوت متعب، إنه ما زال يواصل البحث لتقفي أثر ولده، لعله يعثر على جثته هامدة بين النفايات أو على قارعة الطريق. لكن مصادر من داخل شرطة تكريت أكدت له أن الخاطفين جماعة تنتمي إلى مليشيا العصائب، التي يتزعمها قيس الخزعلي، كما قال.
من جهته، تحدث الدكتور الصيدلاني يزن قحطان، وهو صاحب مستودع للأدوية في تكريت عن تجربته، حيث لم ينج هو الآخر من عملية اختطاف وسط منزله كادت أن تودي بحياته.
ويقول قحطان لـ"
عربي21": "في ساعة متأخرة من الليل اقتحمت مجموعة من الأشخاص يتجاوز عددهم 12 شخصا؛ منزلنا في حي الزهور، وهم يرتدون الزي العسكري. طلبوا مني الذهاب معهم لأحد مقرات الحشد الشعبي لمجرد استفسار بسيط لن يطول ربع ساعة، لتوفر معلومات من مخبر سري بأن والدي أحد كبار قادة تنظيم الدولة، وهو متواجد الآن في الموصل، وتلك كان حجة واهيه لمساومة زوجتي وأمي على كل ما نملك من أراض وأموال ومنازل كأنها قصور ومعامل ضخمة".
وللمفارقة، فإن "والدي فارق الحياة منذ عام 2002، أي قبل احتلال الأمريكيين العراق بعام تقريبا، إثر حادث سير، وغالبية سكان تكريت يعلمون بذلك"، وفق قول قحطان.
وأوضح يزن قحطان أنه خلال فترة اختطافه التي دامت شهرين متواصلين، وضعه الخاطفون في غرفة صغيرة مظلمة وأشبعوه ضربا بالعصي المكهربة، وتم تجريح جسده بالسكاكين، كما كان يتعرض للتحقيق المكثف، على حد قوله.
وفي نهاية المطاف، أطلقت مليشيا تسمى "جند الإمام" سراحه، حيث كتبت له حياة جديد دون مساومة. والسبب أن والدته من الطائفية الشيعية، وأنها خلال فترة اختطافه استطاعت التحرك على أطراف شيعية داخل الحكومة، وتمكنت من الضغط على الخاطفين ما أجبرهم على إخلاء سبيله، ليغادر تكريت بعد ذلك.
من جهته، أكد مصدر أمني في شرطة تكريت، رفض الإفصاح عن اسمه، أن "المليشيات الشيعية باتت السلطة الوحيدة المهيمنة بقوة السلاح على سكان مدينة تكريت وتمارس أبشع
الانتهاكات وأفظع التجاوزات غير القانونية، وتصل إلى حد القتل المتعمد، والتعدي على أملاك الدولة"، مضيفا: "لا نجرؤ على محاسبتهم.. نحن الشرطة المحلية، أو نحمي المواطن من بطش المليشيات"، بحسب قوله.