كتاب عربي 21

الحاكمية بين الغزالي وسيد قطب

1300x600
قد لا يعرف الكثيرون أن الشيخ محمد الغزالي (1335 - 1416 هـ، 1917 - 1996م) كان أول من انتقد مفهوم الشهيد سيد قطب (1324 - 1386هـ ، 1906 - 1966م) للحاكمية، الذي جاء بكتابه "معالم في الطريق".

ولقد قال الشيخ الغزالي في (محاوراته): "إنني لم أسمع بفكرة الحاكمية إلا بعد موت حسن البنا، الذي كان في فكره أشبه بعلماء الأزهر، عندما يصورون فكرة الحاكمية يتكلمون بعقل وبدقة منطقية، وأكاد أقول إن الإسلام الذي يدرس في الأزهر من أدق المدارس لتصوير الإسلام، فالحاكمية كلمة دخيلة، فإذا كان لا حكم إلا لله، فهي كلمة حق أريد بها باطل".

لكن ما العلاقة بين الحاكم والشعب وبين الحاكم والأمة، وما هو مصدر الحكم؟ هذا مفهوم من الإسلام أساسا، فالحاكم يأخذ من القرآن والسنة ومن الأدلة الأخرى، مثل الاستحسان والاستصحاب والاستصلاح، فهي أدق ما يقال في هذا الموضوع، وكون الإنسان يشرع، أنا أشرع في الفروع التي جاءت، وفي شرح القواعد ثم أضع الفروع، فمن حقي أن أشرع دستورا، والقاعدة عندي هي الشورى "وأمرهم شورى بينهم".

لكن كيف أنظم هذه القاعدة؟ أقول الحكم لله وأنا أضع القاعدة، أقول إن الأمة هي مصدر السلطة، والحاكم عليه أن يجري انتخابات، هذه تشريعات العقل البشري فيها أساسا، تعتمد على القاعدة وهي حكم الله وهي الشورى، والفروع متروكة للقياس والاستصلاح والاستحسان.

ولقد شرحت المدرسة الأصولية الإسلامية ذلك من الإمام الشافعي إلى الشاطبي، وحتى يومنا هذا، كتبوا وتوسعوا في هذا الحكم الصحيح.

والمودودي، عندما تكلم عن الحاكمية، كان يريد أن يقول للإنجليز - في الهند - ليس لكم صلة بالحكم، الحكم للإسلام، فجاء بعض الناس ونقلوا هذا إلينا دون أن يعرفوا الملابسات التي أحاطت بالكلمة هناك.

إن الإسلام عندي دين ودولة، إذا أرجع إلى نصوصه وإلى تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم وإلى فقه رجاله، فالأصول الفقهية عندنا ثروة أصلية، ويجب أن يؤخذ الفقه من علمائه ومن أئمته.

إن كلمة الحاكمية لله، سبق وقالها - قبل سيد قطب - ناس أرادوا بها الاعتراض على قبول الإمام "علي" التحكيم بين الناس في بعض الأمور، مع أن الله قد أباح التحكيم بين الزوجين، فما المانع أن يكون هناك حكمان، يبدي هذا الرأي ويبدي هذا الرأي الآخر، والحاكمية لله.

ولقد أرجع الشيخ الغزالي خطأ الأستاذ سيد قطب، فيما كتبه عن الحاكمية، إلى سببين:

أولهما: الظلم الذي وقع عليه من قبل نظام ثورة يوليو، الأمر الذي جعله "ينفرد برأي أملته عليه ظروف المحنة التي وقع فيها.. فالأستاذ سيد له ابن أخت سجن ظلما وعدوانا، ثم إنه رأى في السجن بلاء كثيرا، والواقع أن محاكمته كانت مهزلة، فالرجل كتب كتابة فيها حدة وعنف ضد الحكام وتأول آيات القرآن على أنه لابد من اشتباك صريح مع هؤلاء، وهذا ليس من الممكن".

والسبب الثاني للخطأ في تفكير الأستاذ سيد: "أن الرجل من الناحية الفقهية كان ضحلا، ليس متعمقا أو جامعا لما لابد منه من الأحكام الفقهية، ولذلك يقول كلاما يستحيل أن يقبله الفقهاء، مثل "اجعلوا بيوتكم قبلة لتكون مساجد وصلوا فيها"، وهذا كلام لا يمكن أن يكون مقبولا، والسبب في ذلك أنه غلبت عليه عاطفة اعتزال المجتمع وضرب الحاكم".

ويضيف الغزالي: "لكن الأستاذ سيد - رحمه الله – كان ألمع واحد في مدرسة العقاد، وعلمه بالأدب الإسلامي والأدب العربي عموما علم جيد، ولقد تبعه من يسمون أنفسهم قطبيين، وهؤلاء لا عقل لهم ولا فقه، ولا ينظر لهم في شيء".

هكذا انتقد الشيخ الغزالي فكرة الحاكمية عند الشهيد سيد قطب، مع اعترافه بفضل سيد قطب، الذي كان أول من كتب عن الغزالي وأشاد بكتابه "الإسلام والأوضاع الاقتصادية" عام 1947، وقال عنه "إنه قد قال الكلمة الأخيرة في الجانب الاقتصادي، وإنه يشبه كتاب عبد الرحمن عزام "الرسالة الخالدة" عن الإسلام".

ولقد امتدح الشيخ الغزالي - في محاوراته عن العلاقة التي ربطته بسيد قطب - وكيف طلب الغزالي من سيد عام 1950 الانضمام إلى "الإخوان" فقال له: "الأفضل أن أكون بعيدا"، رحمهم الله، وعوضنا فيهم خيرا.