تُعدّ اللغة العربية من أهم اللغات الحية في عالمنا اليوم، لكنها تتعرض إلى جملة من التحديات الكبيرة والتهديدات الخطيرة، تسببت في انحسار دورها النهضوي والتقدمي كلغة سامية مجيدة أضاءت الدنيا بما "كانت" تحمله من علوم ومعارف وآداب وفنون وأفكار وقيم ومعان.
التحديات كثيرة وكبيرة جدا، لكنني انتخبت سبعة منها فقط، أجدها الأهم والأخطر والأكثر واقعية.
- الوضع العربي المتأزم على أكثر من صعيد ومستوى، والذي أثر بشكل سلبي على حالة الاعتزاز والفخر والثقة بكل ما هو عربي، وقد ظهر ذلك جليا في حملة التهميش والإبعاد والتقليل الذي تتعرض له اللغة العربية باعتبارها العنوان الأبرز للعروبة.
- تأثير العولمة "Globalization" في نشر ثقافة وفكر وسلوك وعادات المجتمعات الغربية باعتبارها الأكثر تطورا وتحضرا وقوة، في ظل غياب واضح لأمة عربية تُعاني من التصدع والتفكك والتشرذم.
- توزع واختلاف الولاءات والانتماءات والسياسات في عالمنا العربي، أصاب لغتنا العربية بل وعروبتنا في مقتل وجعلها غريبة في وطنها العربي.
- عزلة اللغة العربية عن محيطها العربي الذي فضل عدم استخدامها في المدرسة والجامعة والشارع والمكتب والإعلام، بل وفي أروقة المحافل والمؤتمرات الثقافية والأدبية والفكرية، بينما فُسح المجال لتوسع اللغات الأجنبية واللهجات المحلية لتُصبح لغة التواصل والتعامل.
- فقر المحتوى الرقمي العربي في فضاء الإنترنت الذي يقود العالم الآن، ما جعل الشباب العربي الذين يُمثلون الأغلبية الساحقة يهربون إلى اللغات الأخرى وخاصة الإنجليزية لإشباع رغباتهم وطموحاتهم وتطلعاتهم.
- انتشار الأمية في المجتمعات العربية والتي تصل إلى أكثر من 40? في العديد من البلدان العربية، وهذه كارثة إنسانية مخجلة ليست في حق لغة القرآن الكريم ولكنها تُمثل واقعا عربيا متخلفا عن مسيرة الحضارة البشرية التي تُعتبر القراءة والكتابة فيها من الأبجديات.
- عدم تطور طرق وأساليب التعليم في مدارسنا وجامعاتنا بشكل يتناسب مع متطلبات واحتياجات العصر الحديث بكل وسائله ووسائطه التقنية الهائلة، والاكتفاء بالأنماط والأساليب التقليدية التي عفى عليها الزمن خاصة في تدريس اللغة العربية.
وهناك الكثير من التحديات الأخرى التي أذكرها كعناوين فقط، كعجز المجاميع والمعاهد والمؤسسات العلمية عن ممارسة دورها الحيوي في تكريس اللغة العربية كلغة خطاب مباشر وطبيعي، والفجوة الكبيرة بين اللغة العربية ومجتمع المعرفة، وعدم وجود مراكز أبحاث خاصة باللغة العربية، وغياب اللغة العربية عن مفاتيح وحروف التقنية الحديثة، وعدم التعامل مع اللغة باعتبارها قوة ناعمة تُسهم في بسط النفوذ والسيطرة والقوة.
اللغة العربية التي كانت اللغة الأكثر جذبا وتعلّما وتأثيرا في العالم لأنها كانت الوعاء المدهش الذي حمل العلم والأدب والشعر والفلسفة والفن والحكمة لكل العالم، تتعرض الآن لغزو في "عقر" دارها، بل وفي "فصاحة" لسانها!
عن صحيفة الرياض السعودية