نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية حوارا مع المختص في الشؤون الإسلامية والمنظمات الجهادية، جيليس كيبال، حول التغيرات السياسية الحاصلة في
فرنسا بعد هجمات باريس، والمخاوف من انتشار الفكر الديني المتطرف في أوروبا، حيث يعتقد أن الهدف النهائي لهذه المنظمات هو إشعال حرب أهلية وتفتيت المجتمع الفرنسي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن كيبال أكد عدم وجود أي تقارب بين
المسلمين وحزب الجبهة الوطنية، وذلك إثر سؤاله عما إذا صوت الناخبون المسلمون لهذا الحزب اليميني.
واعتبر كيبال أن المسلمين في فرنسا يشعرون برغبة حزب الجبهة الوطنية في استهدافهم وإقصائهم، وقد تعمقت القطيعة بين الطرفين منذ سنة 2012، نظرا لأيديولوجية هذا الحزب الذي يرفض وبشدة ما يعتبره مشروع "أسلمة فرنسا"، بالإضافة إلى معارضته استقبال المهاجرين المسلمين.
وحول مدى تطور إقبال المسلمين على صناديق الاقتراع في فرنسا خلال العقد الأخير، يقول جيليس كيبال إنه بين سنتي 2007 و2012، كان التصويت يختلف حسب المناطق والخلفيات الاجتماعية لكل شخص، أما اليوم فقد أصبح المسلمون يأخذون أيضا بعين الاعتبار المعايير الأخلاقية التي يدافع عنها كل حزب.
ونقلت الصحيفة على لسان كيبال، فيما يتعلق بانخراط المهاجرين المسلمين في العمل السياسي، أنه خلال سنة 2005، بدأ المهاجرون المسلمون بالمشاركة في الحياة السياسية في فرنسا، حتى أنه في سنة 2007، قام البعض منهم بالتسجيل في قوائم الترشح للانتخابات التشريعية.
وقال كيبال: "خلال الفترة الماضية لاحظنا أن أولئك الذين يتاجرون بالدين ويدعون أنهم لا يعيرون أي أهمية للسياسة، أصبحوا يشاركون في الصفوف الأمامية للمظاهرات المنددة بالعديد من الحريات، مثل الزواج المثلي، والتثقيف الجنسي لتلاميذ المدارس".
وأضاف أن "ظهور الحركة السلفية، بالإضافة إلى دعوة البعض إلى العودة إلى الإسلام الأصولي الذي انتشر في الأحياء الفقيرة، ساهم بشكل كبير في تنامي ظاهرة العنف وفي ارتفاع أعمال الشغب".
وأشار كيبال خلال حواره مع الصحيفة، إلى أن نشأة
التطرف الديني في فرنسا تعود إلى سنة 2005، حيث إنه خلال تلك الفترة، قام مهندس سوري الأصل إسباني الجنسية، معروف بأبي مصعب السوري، بإصدار مجلد تحت عنوان "نداء إلى المقاومة الإسلامية العالمية"، وأصبح لاحقا دليلا للفكر المتشدد المعاصر، وألهم أيضا جيلا بأكمله من المتشددين.
وعندما فشلت كل من هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، بالإضافة إلى هجمات مدريد ولندن، في زيادة شعبية الحركات المسلحة، دعا أبو مصعب السوري إلى تطبيق نظام "الشبكات
الإرهابية"، الذي يقوم على الاستهداف التدريجي للمجتمعات المعادية.
وعند سؤال الصحيفة حول ما إذا كان منفذو الهجمات الأخيرة التي استهدفت العاصمة الفرنسية هم جزء من هذه الاستراتيجية، أجاب جيليس كيبال بالقول: "حتى وإن لم يقرأوا كتاب أبي مصعب، فإنهم بالتأكيد متأثرون بالقيادات التي بدورها تبنت عقيدته القائمة على "النظام" لا على "المنظمات"، وبعبارة أخرى لا بد من وقف التسلسل الهرمي للمنظمات، والشروع في تنفيذ الهجمات بشكل مستقل ضمن مجموعات صغيرة، وخير دليل على ذلك الهجمات الأخيرة التي استهدفت فرنسا".
ويضيف قائلا: "كما أن التلقين الديني لم يعد يتم عن طريق الأئمة والخطب في المساجد، بل أصبح من خلال الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، خاصة أن هدف هذه الشبكات الجهادية هو زرع الفتنة بين أفراد المجتمعات المحلية، ومن ثم إشعال فتيل الحرب الأهلية التي ستؤدي إلى انهيار المجتمع الفرنسي"، كما يقول.
وقال كيبال إنه "خلال سنة 2005، تم تفكيك خلية إرهابية كانت تنوي إرسال الجهاديين إلى سوريا، وتم اعتقال العديد من العناصر وسجنهم. وفي سجن فلوري ميروجي، تعرف منفذو الهجمات الأخيرة على بعضهم البعض، كما تواصلوا هناك مع أحد عناصر تنظيم القاعدة".
وأضافت الصحيفة على لسان كيبال، أن "مؤسسات الدولة كانت قد أعلنت أن عددا كبيرا من الفرنسيين ثبت تورطهم في المشاركة في عمليات قتل وفي الانضمام إلى
تنظيم الدولة، لكن محاولة هؤلاء المتطرفين لحشد المسلمين أو أولئك الذي اعتنقوا دين الإسلام حديثا حول قضيتهم تبدو صعبة المنال. وبدل مناصرة المسلمين لهم، سيكون الرفض أشد. ففي سنة 1997، طالب الشعب الجزائري بوقف العنف الذي كانت تقوم به جماعات مسلحة في تلك الفترة، وفي وقت سابق، تعاون المهاجرون مع الشرطة من أجل تفكيك شبكة الجهادي خالد قلقال".
وفي الختام، يبيّن جيليس كيبال أنه توجد خلافات وانشقاقات داخل المنظمات الجهادية، خاصة بين الجهاديين المسجونين في فرنسا الذين يعتقد البعض أن لا علاقة لهم بهجمات الثالث عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر. كما أنه حتى داخل تنظيم الدولة في سوريا، هنالك العديد من الخلافات، وهو ما بدا واضحا خلال الفيديو الذي نشره عناصر تنظيم الدولة على مواقع الإنترنت، الذي تبنوا فيه رسميا تنفيذ الهجمات التي استهدفت فرنسا.