كتب مليح ألتين أوك: في المساء جاء تصريح من رئاسة الوزراء.. وفي التصريح تم نفي توصل تركيا إلى اتفاق مع إسرائيل، مع التنويه إلى أن المحادثات مع الجانب الإسرائيلي ما زالت مستمرة. ولكن على الرغم من أن فكرة وجود اتفاق رسمي موقع تم نفيها من الجهة المعنية، فإن الجدل ما زال مستمرا. بل إن الأمر تجاوز مجرد التعليق على الموضوع بحيث قيل إن
أردوغان باع القضية الفلسطينية.
الشيء الغريب في الموضوع، أن هذا التزوير جاء من طرف الذين كانوا يقفون على الدوام في صف إسرائيل في المواضيع المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبالتوتر الدبلوماسي مع تركيا. بالتأكيد، فإن أول هؤلاء هو فتح الله غولن ومؤيدوه، وهو الذي وصف إسرائيل بأنها "الدولة المحبوبة في الجنوب".
بالتأكيد، فإن من يشاهد تعليقاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي لن يصدق بأن هؤلاء هم نفسهم الذين يدافعون عن القتلة وليس عن المقتولين في مجزرة "
مافي مرمرة" حينما قالوا: "كان يتوجب عليكم أخذ الإذن". والذين يظهرون أنفسهم اليوم على أنهم مثل متطوعي هيئة الإغاثة الإنسانية (IHH) هم نفسهم الذين كانوا يضعون صور مكاتب الهيئة تحت أخبار عمليات تنظيم الدولة قديما. وهم نفسهم الذين كانوا يصفون المناطق التي تقصفها إسرائيل في فلسطين في شريط الأخبار بأنها "تستهدف الإرهابيين".
في تلك الليلة، هناك مجموعة أخرى كانت قد اكتشفت مفهوم الصهيونية: اليساريون الذين كانوا قد دفنوا دعمهم لفلسطين مع دنيز جيزمش منذ زمن طويل، والذين لم يستطيعوا أن يدعموا موقف رئيس الوزراء أردوغان عندما قال "one minute" باعتبارها وقفة "ضد الإمبريالية" أو "وقوفا بجانب الشعوب المظلومة".. نراهم اليوم أصبحوا وكأنهم مقاتلين ضمن حركة حماس. ومن بين الإشاعات الأخرى أن قناة "فوكس" التركية التابعة لمردوخ تفكر بقطع بثها.
ماذا سيفعل البائسون غير ذلك؟
هؤلاء الغوغائيون الذين كانوا يؤيدون تدخل حلف الناتو وأمريكا في أحداث "جيزي"، لم يعودوا انتقائيين في اختيارهم جهة يقفون بجانبها من التحالف الموجود ضد تركيا والمكون من سوريا، حزب العمال الكردستاني، حزب التحرير الشعبي الثوري (DHKP-C)، إيران وروسيا. ومع عدم ثقتهم في مصادر المعلومات هذه فإن هناك من دخل في موضوع النقاش هذا من المحافظين والوسط الإسلامي. انتقادات هذه الأطراف التي تبدي اهتماما كبيرا تجاه القضية الفلسطينية منذ زمن بعيد هي ذات قيمة ويجب أن تأخذها الحكومة بعين الاعتبار.
إلا أن نقاش هذا الموضوع مع الأطراف التي تبرّر المجازر الإسرائيلية بحجة المعتقدات الدينية للفلسطينيين أو ترجيحاتهم السياسية أو "عدم تحضّرهم" هو شيء غير صحيح. بدون شك فإن استعمال جميع الطرق الدبلوماسية في العلاقات بين الدول هو أمر مشروع، خصوصا في نظام علاقات دولية جديد لا يعطي للدول التي تحدثنا عنها حق تحديد سياسات شهرية، ناهيك عن سياسات قد تدوم لمدة 5- 10 سنوات. لهذا السبب، فإن تركيا قد تجري محادثات مع إسرائيل وقد تعقد معها اتفاقيات ولكن بما يصب في المصالح الفلسطينية. في النهاية، فإن اتصال نتنياهو بأردوغان واعتذاره من تركيا كان نتيجة الدبلوماسية الفعالة التي أجرتها أنقرة مع إسرائيل وأمريكا.
من وجهة نظري، فإن الذين ينتظرون من أردوغان، الذي خاطر بكل شيء عندما قال "one minute"، والذي أعاد الحياة للسياسة الخارجية التركية، أن يوافق على فعل شيء يضر بالشعب الفلسطيني، فإنهم سينتظرون مطولا. ومجددا فإن عليهم أن لا ينتظروا طويلا لأنه سيتم حذف حسابات "تويتر" لأولئك الذين قاموا بمهاجمة الحكومة التركية والاستهزاء برمز القضية الفلسطينية "أردوغان" في تلك الليلة وكانت الحادثة في أوجها.
(عن صحيفة "صباح" التركية- ترجمة خاصة لـ"عربي21")