يعاني قرابة مليون مدني في مدينة
التل، بريف
دمشق، من
حصار فرضته قوات النظام السوري منذ خمسة أشهر، طال جوانب الحياة كافة، منذرا بكارثة إنسانية، وسط تخوف شعبي من وصول أعمال التهجير إلى المدينة، بغية إفراغها وترحيل أهلها إلى الشمال السوري.
وكشف الناشط الإعلامي أحمد البيانوني؛ عن اتباع النظام السوري سياسة جديدة في حصار مدينة التل، من خلال إقحامه لـ"الشبيحات" على جميع الحواجز العسكرية المدججة أصلا، بهدف تشديد عمليات التفتيش على نسوة المدينة وفتياتها اللواتي يخرجن من المدينة إلى الجامعات أو الدوائر الحكومية، "في حين ما تزال مخارج التل مغلقة بوجه المدنيين".
وأكد البيانوني، في حديث لـ"
عربي21"، أن "المواد الغذائية، وحليب الأطفال، ومادة الطحين تعد من المحرمات على أهالي التل"، وفق تعبيره.
وقال البيانوني، مدير التنسيقية الإعلامية للمدينة، إن استمرار منع حواجز النظام السوري إدخال أي من المواد الغذائية أو المحروقات إلى داخل المدينة التي تحوي (أيضا) مئات آلاف المهجرين من مناطق أخرى، أجبر المحلات التجارية، بنسبة 75 في المئة أو أكثر، على إغلاق أبوابها بسبب نفاد المواد التموينية فيها، وانتشار الجوع بين الأهالي، لتبدأ المدينة بدق ناقوس الخطر الذي لا تُعرف ما ستكون تداعياته.
مدينة التل، بحسب مدير تنسيقيتها الإعلامية، محاصرة من الجهات الأربع، وحواجز النظام السوري ومليشيات "الدفاع الوطني" تحيط بمداخلها ومخارجها، وكذلك الثكنات العسكرية الكبيرة، كما نشر النظام عناصر مسلحة نسائية بهدف القيام بعملية تفتيش دقيق على الطالبات الجامعيات والموظفات أثناء عودتهن إلى المدينة، من أجل ضمان عدم إدخال أي من المواد الغذائية بشكل مخفي، وفي حال عثر على من المواد فتتم مصادرتها مباشرة، مع توجيه شتائم كبيرة للفتيات والنسوة.
واستطرد البيانوني قائلا: "أسعار المواد المتوفرة في المدينة بلغت ثلاثة أو أربعة أضعاف شبيهاتها في العاصمة دمشق، مع انقطاع تام للغاز، وارتفاع أسعار الحطب بشكل كبير، ما جعل الأهالي يستعينون بالملابس والمواد البلاستيكية في طهي الطعام والتدفئة".
وتابع: "أما الكهرباء، فقد أصبحت حالة نادرة تأتي ساعة فقط خلال اليوم، والمياه ممنوعة عن المدينة ولا يراها الأهالي سوى ساعة واحدة كل ثمانية أيام، ما أجبر الأهالي على حفر الآبار في الأماكن العامة بغية تلبية احتياجات المحاصرين".
حصار المدينة، بحسب ما أكده البيانوني، جاء قبل نحو خمسة أشهر، عقب تذرع النظام باختفاء أحد العناصر في المدينة، لتتوسع تدريجيا أفق المطامع لديه بالتوالي، من عنصر مختطف إلى الحديث عن تواجد المعارضة المسلحة فيها، ليطلب من المقاتلين تسليم أنفسهم وأسلحتهم وتسوية أوضاعهم، كما طالب مؤسسات المدينة بتسليمه كل المطلوبين لديه والمتخلفين عن "الخدمة العسكرية".
وأشار إلى إعلان منظمة الهلال الأحمر المشرفة على مراكز إيواء المهجرين والمنكوبين والمحتاجين في المدينة عن نفاد المخزون الغذائي لديها. وتعد هذه المنظمة هي المصدر الوحيد لمعظم العائلات في التل.
أما مدارس المدينة فلا قرطاسية فيها، والطلاب لا يملكون أدنى مقومات الدراسة، ليصف المصدر الحالة التعليمية فيها بـ "أسوأ حالاتها".
بدورها، قالت الناشطة الإعلامية "أمل القلمونية"، لـ"
عربي21": "دخلت المدينة في اتفاق تهدئة مع النظام السوري مطلع عام 2013، وكان من أهم الشروط المتفق عليها بين الجانبين؛ خروج قوات النظام من المدينة وعدم الدخول إليها، مقابل تعهد المعارضة السورية بعدم استهداف حواجز النظام المحيطة بها، وكذلك ثكناته العسكرية".
وأضافت القلمونية: "إلا إن النظام السوري قام بخرق الاتفاق عشرات المرات، وقصف الأحياء السكنية في المدينة، وخاصة الأحياء الغربية ذات الكثافة السكانية، مستخدما القذائف الصاروخية أو الطيران الحربي".
وقالت: "عادت مجددا المفاوضات مع النظام من قبل وجهاء المدينة، وكانت مطالب النظام هي خروج المعارضة المسلحة منها هذه المرة، إلا إن هذا العرض رفض بالكامل من قبل المدينة وأهلها وثوارها؛ لأن مدينة التل محاصرة من أطرافها كافة بثكنات عسكرية وحواجز وهم (المقاتلون) العامل الوحيد لضمان سلامة المدنيين".
وبعد ذلك، تقول القلمونية، اشترط النظام تسليم المعارضة لأسلحتها والعمل على "تسوية أوضاعهم" والانضمام لما يسمى بـ"الدفاع الوطني"، وجاء الرد بالرفض مرة أخرى، بحسب الناشط الإعلامية. وبقيت المفاوضات على وقف المعارك بين الجانبين مقابل إدخال المواد الغذائية إلى المدينة، ولكن النظام لم يلتزم بوعوده ويحاصر المدينة مستخدما سياسة الجوع منذ أشهر، وقد أنهك الحصار أهل المدينة والثوار على حد سواء، لا سيما بعد اتهام النظام الثوار باختطاف أحد عناصره إلى داخل المدينة، على حد قول القلمونية.