انتقد تقرير تناول واقع
حقوق الإنسان في
الجزائر للعام 2015، "تضييق السلطة على الحريات وانتهاجها أسلوب القمع والتخويف بوجه الأحزاب ونشطاء المجتمع المدني".
واتهم التقرير السنوي الذي أعلنت عنه "الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان" (مستقلة) الذي صدر بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الخميس، السلطات الجزائرية "بانتهاك مبدأ المساواة في التنمية البشرية، والتمييز بين أفراد المجتمع بسبب النوع الاجتماعي، ولكن بسبب الولاء والجهة".
وسجل التقرير الذي حصلت صحيفة "
عربي21" على نسخة منه، أن السلطات الجزائرية تمارس "تهميش المواطنين وتحييدهم عن اتخاذ القرار". وأورد أنه "منذ 2009 إلى اليوم، تم اختيار أكثر من 45 في المئة من المسؤولين في الدولة هم من منطقة واحدة".
وهذه هي المرة الأولى التي يثير فيها
تقرير حقوقي في الجزائر مسألة اختيار المسؤولين لتولي مناصب عليا في البلد، إذ لاحظت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن "أغلب المسؤولين بمن فيهم الوزراء ينتمون لجهة واحدة في الجزائر".
وفتحت الرابطة الحقوقية ملف محاربة
الفساد، الذي أثار جدلا واسعا في الجزائر خلال السنتين الأخيرتين، على وقع فضائح باختلاس المال العام، وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج، من الشركات الأجنبية.
وأشار التقرير بهذا الخصوص إلى "غياب القيم الأخلاقية، وانعدام ثقافة المواطنة لديهم وميلهم إلى الكسب السريع والثراء بأسهل السبل، واستهانتهم بقيم المجتمع وقوانينه في سبيل تحقيق رغباتهم وإشباع شهواتهم".
وسجل التقرير أن "الفساد نابع من أعلى المستويات في الإدارة الجزائرية"، مشيرا إلى أن "70 في المئة من العمال والموظفين في مختلف القطاعات والمؤسسات العمومية، تم توظفيهم عن طريق المحاباة".
من جهته، قال رئيس "الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد"، جيلالي حجاج، في تصريح لـ"
عربي21"، الخميس، إن "السلطات منعت الجمعية من الاحتفاء باليوم العالمي لمكافحة الفساد المصادف ليوم 9 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام.
وشجب تقرير حقوق الإنسان ما أسماه "التضييق على الصحفيين وكبح
حرية التعبير"، وعدّد أهم القضايا التي عرفتها الساحة الإعلامية في الجزائر بما في ذلك سجن الصحفي الجزائري عبد السميع عبد الحي، لفترة قاربت عامين، بتهمة مساعدة أحد المعارضين على مغادرة البلاد".
ويوجد الصحفي حسان بوراس أيضا بالسجن، بعد تناوله تقريرا تم تصنيفه على أنه "مهين للجيش".
من جانبه، قال فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، التابعة لرئاسة الجمهورية في الجزائر، لـ"
عربي21"، الخميس، في الجزائر قطعت أشواطا بمجال حرية التعبير، لكن لازال الكثير لم يتحقق.
وتابع قسنطيني بالقول: "تم رفع عقوبة حبس الصحفي، لكن هذا لا يكفي".
وقامت السلطات الجزائرية بإغلاق القناة الفضائية "الوطن تي في" بالشمع الأحمر، يوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد بثها برنامجا استضاف أمير الجيش الإسلامي للإنقاذ سابقا، مدني مزراق، الذي توعد الرئيس الجزائري إن لم يتراجع عن قرار منع نشطاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ من العمل السياسي.
لكن الخطاب الرسمي الجزائري، يقر باحترام حقوق الإنسان في البلاد، ويتهم النشطاء بعض وسائل الإعلام بتجاوز الخطوط الحمراء، باعتبار أن وضع البلاد والظروف التي تمر بها لا تستوعب مزيدا من التشنج. وتتهم الحكومة الجزائرية بعض الفضائيات بعدم تقديم "خدمة عمومية"، وباقتصارها على النقد.
وأفاد ميلود شرفي، رئيس سلطة الضبط السمعي البصري الحكومية، بتصريح لصحيفة "
عربي21"، الخميس " وجهنا إنذارات لعدد من الفضائيات نظرا لارتكابها تجاوزات".
وقال الإعلامي الجزائري، محمد سيدمو، لـ"
عربي21"، الخميس: "الواقع أن قطاع الإعلام في الجزائر يغلي مثل القدر، فبلادنا تختزن طاقات صحفية هائلة تريد أن تنطلق، لكنها ابتليت بسلطة تمارس شتى أنواع الكبت والتضييق على العمل الصحفي، لترويضه وتطويعه لصالحها".
وأضاف سيدمو: "صحيح أن هذا التضييق لم يعد بوليسيا على الجرائد تحديدا، ولكنه اتخذ منحى آخر لا يقل خطورة يقوم على قطع الأرزاق، فكل الجرائد التي تجرؤ على انتقاد السلطة ومؤسساتها في الجزائر، يتم ضرب عائداتها الإشهارية أو تهديدها بإيقاف الطبع، وهما وسيلتا الضغط اللتان لا زالتا بيد السلطة".
وأشار إلى أن "السلطة لا تتردد في استعمال أدواتها القضائية والأمنية في التضييق على الفضائيات، وهذا ما تجلى في تعاملها مع قناة الأطلس في الحملة الانتخابية للرئاسيات، وقناة الوطن مؤخرا، حيث تم غلقهما ومداهمة مقراتهما، ومصادرة كل ممتلكاتهما، والتشريد الذي لاقاه عشرات العاملين فيهما".
واستدرك سيدمو بالقول: "لكن هذه السياسة في اعتقادي لا يمكن لها أن تستمر، لأن غلق الإعلام في عصر السماوات المفتوحة ووسائط التواصل الاجتماعي، صار ضربا من الجنون، وسيرا ضد طبيعة الأشياء، ولا مناص من التحرر التام بوقت عاجل أم آجل".