كتب كمال أوزتورك: في البداية علينا أن نعرف أنه لو لم تواجه أوروبا مشكلة اللاجئين لما كانت بحاجة لتركيا ولا لعقد هذه القمة.
ميركل، أول من قالت إنه لو لم تكن
تركيا لما كانت ستحل مشكلة اللاجئين. وبسبب هذا تلقت الكثير من الانتقادات، سواء في بلدها أم في الإعلام الأوروبي. وخلال كل تلك الأيام كانت تركيا قد استمرت في تمسكها بمحاربة حزب العمال الكردستاني ومحاولة إنهاء القضية الكردية والمراكز المالية والسياسية ووسائل الإعلام التي تواصل الحملة ضد تركيا منذ أحداث حرب غازي. ومع حدوث هذا كله، فإنه لم يتعجب الكثيرون من خروج تركيا في المقدمة باعتبارها المنقذ الوحيد، وبدلا من رد الجميل فإنهم قاموا أثناء ذلك بنشر كذبة "مساندة تركيا لتنظيم الدولة (
داعش)".
في الوقت نفسه، لا أعتقد أن حب ميركل لتركيا قد ازداد، ولا أعتقد أنها تذكرت صداقتنا التاريخية لألمانيا. وفضلا عن كون ألمانيا أكبر عقبة أمام عضويتنا في
الاتحاد الأوروبي، فهي أيضا لا تزال من الدول الأكثر إرباكا للداخل التركي من خلال المنظمات الإرهابية والاستخبارات ووسائل الإعلام.
لماذا لا تناقش أطروحة تركيا؟
تركيا تدافع عن أطروحتها من البداية، كونها دولة تعرف طبيعة الشرق الأوسط (الجينية.. وبرأيي أنه ضعيف بعض الشيء) وتستضيف أكثر من مليوني لاجئ، التي مفادها "أننا ما لم نقض على الأسباب التي نتجت عنها مشكلة اللاجئين، فإننا لن نستطيع حل هذه المشكلة أبدا".
في زيارة ميركل، إتصلت بأحد أصدقائي الجالسين على طاولة المفاوضات وسألته: "هل تناقشتم مع ميركل حول هذه الأطروحة؟"، فرد صديقي بقوله: "لا ميركل ولا أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تريد مناقشة هذه الحقيقة"، وعلمت أيضا عدم مناقشتهم لهذا في مؤتمر القمة الأخير. كم هو غريب! أليس كذلك؟
مع ذلك، يأتي اللاجئون من اليمن وسوريا وأفغانستان وليبيا والعراق، ليتدافعوا على حدود الاتحاد الأوروبي، حيث إن هؤلاء الناس يضطرون لترك أراضيهم بسبب حالة الحرب والفوضى التي خلقتها روسيا وإيران وسوريا..
وذلك، فضلا عن عقلية الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، في عدم مبالاتها في حل المشكلة بين هذه الدول، وأنها ترغب في مشاهدة طحن الدول (تركيا وروسيا وإيران والدول الإسلامية الأخرى) بعضها بعضا مثلما يفعل حجر الطاحونة.
لكن الوضع ليس بهذه البساطة؛ فهناك نظام إرهابي إيكولوجي (معقد). هذا النظام وهجوم باريس وتدفق اللاجئين، كله يمكن أن يهز أوروبا بما فيه الكفاية. وفي الحقيقة ليست هناك مشكلة ناشئة من عدم معرفة أوروبا لهذه الحقيقة. المسألة، أولا أن النوايا ليست حلا للمشكلة، وثانيا الإخفاقات..
ومؤتمر القمة، غير مثمر باعتباره ينم عن رؤية الاتحاد الأوروبي.
فلننظر في مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي-تركيا الآن:
قرروا إعطاء تركيا ثلاث مليارات يورو، ليتم من خلالها دعم بعض المساعي في تركيا كاستضافة وتشغيل اللاجئين. وسيتم دفعها على مدار عامين، ودول الاتحاد الأوروبي هي التي ستقرر كيف سيتم دفعها وأين سيتم صرفها.
بعد ذلك، سيأخذ الاتحاد الأوروبي 400 ألف لاجئ، ستختارهم دوله بنفسها، وتركيا ستقبل شرط إعادة قبول اللاجئين، وسيرسل الاتحاد من لا يريدهم من اللاجئين (القادمين من تركيا). ماذا سيحدث لهؤلاء اللاجئين؟ هناك إجابة تقول إنه "سيتم إرسالهم إلى البلاد التي جاؤوا منها".. كيف أقوم بإعادة إرسال هؤلاء الناس الى
سوريا؟ لا يمكن تفسير هذا بالعقل.
قرار آخر أيضا خرج من مؤتمر القمة، إمكانية فتح فصول (صفحات) جديدة في الربع الأول من عام 2016. لم تتم الموافقة على طلب تركيا الذي مفاده: "لنكتب من يكون هؤلاء". ستأخذ اللجنة القرار بشأنه. يعني أن بإمكانهم إختيار الفصول غير المهمة أيضا. لاحظوا، أن اختيار فصول جديدة هي عملية عادية لكل عضو والآن باتت أداة مساومة سياسية ضد تركيا.
أما الإعفاء من تأشيرة الدخول فهو معقد. تركيا ستمضي على اتفاقية إعادة القبول، وستفي بالشروط، ثم بعد ذلك ستجلس اللجنة وتأخذ قراراها. هذا يعني أنه إذا إستمر تدفق اللاجئين، فسيبقى كل هذا على الطاولة كوسيلة للابتزاز.
هل فقدت أوروبا مصداقيتها؟
مختصر القول، أن مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي-تركيا، يعني الآتي: على تركيا أن تمنع تدفق اللاجئين، وأن تقبل بإعادة إرسالنا لهم لبلادهم، ونحن سنتيح فرصة التحدث عن بعض من الفصول الـ34 المغلقة (هي فصول ليست متعلقة بالقرار حتى) وإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول.
لو كان هذا قبل عشر سنوات، لكان خلق جوا من الترقب (الإثارة) في تركيا.. إلى الآن يعتقدون بأن الدخول إلى الاتحاد الأوروبي سيبعث الحياة في الموتى.
أوروبا تطبق سياسات فاشلة وحاقدة وسيئة للغاية تجاه تركيا والعالم الإسلامي، لدرجة أنهم إذا قدموا بأنفسهم عرضا للحصول على عضوية الاتحاد فإن ذلك لن يثير ضجة (جدلا) بعد الآن.
إن السحر والحب الأوروبيين تلاشيا في تركيا والعالم الإسلامي، والاتحاد الأوروبي ليس مدركا لهذا.
واحدة من النتائج اللافتة أيضا في هذا المؤتمر، هي إعادة تأسيس بيئة تواصل مع الاتحاد الأوروبي. قد تكون أوروبا وجدت قاعدة لنقاش أطروحات تركيا التي لم تكن موجودة.
مشكلة روسيا ومسألة اللاجئين أظهرت أنه لا يمكن أن يكون هناك ناتو ولا اتحاد أوروبي ولا تصميم للوسط بدون تركيا. لا أعتقد أنهم فهموا هذا في القمة. لحسن الحظ، أنه تقرر عقد مؤتمر القمة مرتين في السنة.
لننظر إلى أنفسنا. النوم محرم علينا من غير أن تصبح تركيا دولة قوية.
(عن صحيفة يني شفق التركية، 6 كانون الأول/ ديسمبر 2015- ترجمة خاصة لعربي21)