نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول استهداف
روسيا لمواقع المعارضة المعتدلة في
سوريا، وقالت إن موسكو تسعى لمعاقبة كل من وقف ضد نظام بشار الأسد، وإجبار الشعب السوري على الاختيار بين بشار الأسد وتنظيم الدولة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن موسكو منذ بداية تدخلها العسكري في سوريا في نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، تحت يافطة مكافحة الإرهاب والقضاء على
تنظيم الدولة، تتخذ عملياتها أسلوبا عقابيا، بالطريقة نفسها التي يعتمدها الأسد ضد الثوار، كما تبدو محافظة حلب، التي تعد معقلا للثورة السورية، أول المناطق المستهدفة بهذا العقاب الروسي.
وذكرت الصحيفة أن إحصائيات تشير إلى أن شهر تشرين الأول/ أكتوبر؛ شهد شن طائرات سوخوي الروسية 120 غارة ضد مناطق سكنية في محافظة حلب، في مقابل 128 غارة ضد مواقع عسكرية، وقد استهدف الطيران الروسي خلال هذا الشهر 16 مصنعا وست مستشفيات وثلاث مدارس وثلاثة مساجد، ما أدى إلى وقوع 180 ضحية من المدنيين و20 مقاتلا.
كما ذكرت الصحيفة أن الطيران الروسي قصف خلال ليلة الثلاثاء 17 تشرين الثاني/ نوفمبر مدينة الأتارب التابعة لمحافظة حلب، وقد استهدف القصف مخبزا يقع في هذه المدينة، كان يؤمن الخبز لكامل منطقة حلب؛ لأنه هو الوحيد الذي لم تطله آلة تدمير النظام، حيث كانت خطوط الإنتاج الثلاثة في هذا المخبز توفر احتياجات مدينة الأتارب و13 قرية أخرى مجاورة لها، أي حوالي 150 ألف شخص، وقد تحولت الآن إلى كومة من الرماد بسبب القصف الروسي، الذي أدى إلى تدمير معدات الإنتاج و100 طن من الطحين، كانت مخزنة في المكان نفسه.
ونقلت الصحيفة عن أحمد عبيد، وهو ناشط من أبناء المدينة، قوله إن "هذا المخبز تعرض في السابق لهجومين من طيران النظام، ولكن في كل مرة كان يتم ترميمه وإعادة فتحه، ولكن هذه المرة كان الدمار كليا، لأن القصف الروسي كان أكثر عنفا من قصف النظام".
كما ذكرت الصحيفة أن القصف دمر مجموعة من المباني التي كان يفترض إعادة استغلالها من حكومة المعارضة السورية، التي كانت تنوي فتح جامعتين واحدة للعلوم وأخرى للزراعة، من أجل استقبال الشباب الذين حرموا من التعليم الجامعي في جامعة حلب، الموجودة في منطقة لا يزال يسيطر عليها النظام.
ونقلت الصحيفة عن حسين بكري، المسؤول في حكومة المعارضة المتمركزة في مدينة غازي عنتاب التركية، قوله إن "الرسالة التي تريد موسكو إيصالها واضحة جدا، فهي تسعى لتدمير المعارضة ومنعها من تقديم أي خدمات اجتماعية، من أجل بث اليأس في صفوف الناس وإجبارهم على الاختيار بين الوقوف مع نظام الأسد أو تنظيم الدولة، وبوتين يراهن على أنه في هذه الحالة سوف ينتهي الحال بوقوف الناس مع النظام خوفا من تنظيم الدولة".
ولفتت الصحيفة إلى أن رهان بوتين قد يكون خاسرا، إذ إن الثوار في جنوب حلب أظهروا صمودا كبيرا في مواجهة الهجمة التي تقوم بها قوات النظام، المكونة من جنود سوريين وعناصر الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية وأفغانية أخرى، فالثوار لم يتراجعوا أمام هذا الخليط من القوى الموالية للنظام، بل على العكس، نجحوا في السيطرة على عدة قرى كانت تقع تحت قبضة خصومهم، وهو ما أبعد شبح سقوط المنطقة الشرقية من حلب بيد النظام.
ويقول التقرير إن المعارضة السورية تخوض بالتوازي مع ذلك مواجهات شرسة في شمال حلب ضد عناصر تنظيم الدولة، الذين دائما ما تستثنيهم الطائرات الروسية من قصفها بشكل مثير للحيرة، وهو ما أدى لوقوع خسائر مؤلمة في صفوف المعارضة، حيث فقد الجيش السوري الحر 16 من قياداته الميدانية خلال المعارك الأخيرة، من بينهم قادة يتمتعون بالكاريزما والخبرة، على غرار صادق الصادق الذي يسمى بقناص حلب، وحسين عزيزة الذي تكفل بحماية حي صلاح الدين من هجمات المجموعات المتشددة.
واعتبرت الصحيفة أن استهداف هذه القيادات الميدانية المعتدلة والرائدة في قيادة الثورة السورية، تهدف من خلاله روسيا والنظام السوري إلى فتح المجال أمام القيادات المتشددة للأخذ بزمام الأمور. فقد قامت جبهة النصرة خلال الفترة الماضية بعدة عمليات في هذا الإطار، مثل اختطاف أبو ماجد كرمان، الناشط المعارض للأسد والمعروف في محافظة حلب.
كما ذكرت الصحيفة في السياق ذاته أن جبهة النصرة تحاول السيطرة على العمل المسلح في المحافظة والمسك بزمام الأمور، حيث إن الصحفي علاء الجابر، الذي ينشط في المجال الإعلامي منذ سنة 2011 ونجح في تأمين بث قناة حلب اليوم التلفزونية المساندة للمعارضة لمدة أربع سنوات رغم الصواريخ والقصف والبراميل المتفجرة التي تستهدف المنطقة، تعرض خلال الأسبوع الماضي لاعتداء عنيف والاحتجاز لمدة يومين، من مجموعة من المسلحين التابعين لجبهة النصرة، لأن تغطيته الإعلامية لم ترق لهم. وفي الليلة نفسها قام علاء الجابر بحزم حقائبه واللجوء إلى تركيا، كما تقول الصحيفة.