قالت صحيفة ليبراسيون الفرنسية إن
تنظيم الدولة بدأ يتكبد الهزائم واحدة تلو الأخرى، لكنه رغم ذلك ما زال يضرب خارج مناطق سيطرته ويستفز أعداءه، ما يثير تساؤلات حول إصراره على الدخول في مواجهة ضد العالم، وعلاقة ذلك بـ"معركة
دابق" التي يجهز لها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تنظيم الدولة في
سوريا والعراق، بعد تشديد الخناق عليه من الأكراد والمعارضة المعتدلة، يلعب ورقة العمليات الانتحارية خارج مناطق سيطرته، ليوهم أعداءه بأنه في حالة جيدة وأنه بصدد التمدد، في الوقت الذي يسجل فيه تراجعا في عديد المناطق.
كما اعتبرت الصحيفة أن الهدف الأول لتنظيم الدولة هو التوسع الميداني، إما عن طريق السيطرة على أكبر رقعة جغرافية ممكنة في سوريا والعراق، أو عبر إنشاء فروع له في الخارج، أو عبر ارتكاب عمليات إرهابية في العالم.
وهذا هو السبب وراء العمليات التي ضربت باريس وبيروت، حيث نقلت الصحيفة عن البروفيسور والمختص في علوم السياسة، ستيفان لاكروا، قوله: "مبدأ تنظيم الدولة هو التوسع، فهو يعتمد على التمدد ولا يمكنه التوقف؛ لأن هذا لا يخدم أهدافه الدينية، كما أن تقدمه سيزيد من سيطرته على مصادر المال لبناء دولته، ولتمويل العمليات الإرهابية خارج مناطقه".
واعتبرت الصحيفة أن تنظيم الدولة بدأ يخسر ما أنجزه، بعد أن سبق وبسط سيطرته في سوريا والعراق، فها هو يخسر عين العرب (كوباني) بعد شهر من القتال لصالح الأكراد، مع مصرع ألف من مقاتليه على هذه الجبهة، وأمام أنظار وسائل الإعلام العالمية.
خسارة مدينة كوباني ليست الوحيدة للتنظيم، فقد خسر هذا الصيف أيضا مدينة تل أبيض على الحدود التركية، على يد وحدات حماية الشعب الكردية بمساندة الجيش السوري الحر، فيما اعتبر حينها الهزيمة الأسوأ استراتيجيا، ذلك أن تل أبيض كانت بوابة التنظيم إلى تركيا.
وأشارت ليبيراسيون إلى أنه في سوريا، لم يتراجع الأكراد أمام التنظيم، فقد صدوا هجوما له على مدينة الحسكة، قبل أن يقوموا بهجوم معاكس عليه. أما في
العراق فقد خسر التنظيم مدينة سنجار الاستراتيجية، يوم 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، سويعات قبل هجمات باريس.
ورأت الصحيفة أن التنظيم خسر الكثير بعد انسحابه من سنجار، التي كانت معبر مقاتلي التنظيم بين أهم مدينتين لديه، الرقة في سوريا والموصل في العراق، وبالتالي أغلق المعبر.
وأضافت أن مدينة الرقة، عاصمة الخلافة بالنسبة للتنظيم، التي لها رمزية كبيرة لدى أنصاره، أصبحت على خط النار، حيث تسعى الولايات المتحدة منذ أسابيع لتشكيل تحالف سني كردي بهدف مهاجمة الرقة، لكن تردد الأكراد أخّر التحالف.
وذكرت الصحيفة أن تنظيم الدولة أخذ الأمر على محمل الجد، فقد قال نائب مدير منظمة هيومن رايتس في الشرق الأوسط، نديم خوري: "حتى ولو اتخذ الأكراد قرارهم، فمقاتلو تنظيم الدولة يستعدون للدفاع عن المدينة".
وقالت الصحيفة إن العمليات الإرهابية خارج حدود سيطرة تنظيم الدولة كان قد دعا لها التنظيم منذ أواخر 2014، عندما أصدر الناطق الرسمي باسم التنظيم، أبو محمد العدناني، منشورا دعا فيه لقتل الأوروبيين والأمريكيين الفرنسيين خاصة، ذلك أنهم التحقوا بالتحالف الدولي لضربه.
وقد جاءت هجمات تنظيم الدولة على الحي الشيعي في بيروت بلبنان يوم 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، والتي راح ضحيتها 44 قتيلا وأكثر من 230 جريحا، وعملية إسقاط طائرة روسية فوق سيناء ومقتل 224 راكبا على متنها، لتدل على أن التنظيم لا يستثني أحدا ولا يرحم أعداءه.
ولاحظت الصحيفة أن الاختلاف بين تنظيم الدولة والقاعدة يكمن هنا، ذلك أن القاعدة جعلت من الغرب هدفها الأول، فهي تستهدف نيويورك، واشنطن، لندن أو مدريد، أما تنظيم أبو بكر البغدادي فيضرب في كل مكان خارج دولته.
والخطير في الأمر، بحسب الصحيفة، هو أن التنظيم يوظّف التحالف ضده لتجنيد مقاتلين جدد، عبر كسب تعاطف المسلمين، حيث قال المختص في علوم السياسة، ستيفان لاكروا: "حتى ولو خسروا على المدى القصير، فهم يراهنون على الفوز على المدى المتوسط، فمنذ احتلال أمريكا للعراق سنة 2003، زادت قوة المنظمات الإرهابية بتزايد أنصارها".
كما أفادت بأن التنظيم هو من يحفز أعداءه على ضربه، فأمريكا مثلا لم تكن ضالعة بشكل مباشر في سوريا، لكن بعد نشر تنظيم الدولة لمقاطع فيديو تظهر فيها قطع رؤوس رهائن غربيين صيف 2014، قامت القوات الجوية الأمريكية بقصف مناطق سيطرته في العراق.
وختمت الصحيفة بالقول إن التنظيم يسعى للذهاب بالحرب في سوريا إلى آخرها، فحسب إيديولوجيته المتشددة، ستشهد مدينة دابق الموجودة شمال سوريا معركة نهاية العالم بين المسلمين والمسيحيين، والتنظيم مستعد لفعل كل شيء للمشاركة في هذه الحرب الموعودة.