يعيش مئات الآلاف من الأطفال السوريين، في الملجأ وفي مناطق سيطرة
المعارضة، دون سجلات رسمية تثبت جنسيتهم السورية، إذ هرب ملايين السوريين من بلادهم نتيجة الحرب، وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة لهذا العام، فإن 4 ملايين سوري يعيشون لاجئين في دول الجوار، ونحو 12 مليون يعيشون تحت سيطرة المعارضة.
الأمم المتحدة بدورها حذرت من خطورة هذا الوضع حيث أصدرت مؤخرا تقريرا قالت فيه، إن طفلا بدون جنسية يولد كل 10 دقائق، محذرة من أن المشكلة ستتفاقم مع أزمة المهاجرين واللاجئين الناجمة عن النزاع في
سوريا.
وأشار التقرير إلى أن الأطفال في سوريا يستطيعون الحصول على الجنسية من خلال آبائهم، ولكن الحرب أجبرت أكثر من 4 ملايين طفل على الفرار من بلادهم وخلفت 25 % من العائلات اللاجئة دون أب.
وبحسب المعارضة السورية، فإن
النظام قام في بداية عام 2012 بإغلاق دوائر السجل المدني في المناطق الخارجة عن سيطرته، وتحويل السجلات والوثائق الرسمية إلى مناطق سيطرته، وأجبر موظفي هذه الدوائر بالالتزام بالدوام في مناطقه، أو يواجهون الفصل من وظائفهم، مما عقد الأمر وزاده صعوبة على المواطنين.
وما يزيد الوضع تعقيدا هو أن معظم مواطني المناطق المحررة هم من معارضي النظام ومراجعة دوائر السجل المدني لتسجيل أولادهم وتثبيت حقوقهم في سجلات الدولة، أمر مستحيل خوفا من اعتقالهم أوتصفيتهم من قبل قوات النظام .
تجربة في مناطق المعارضة لم تحظ بدعم ولا اعتراف
تسعى المعارضة السورية في الداخل من خلال المجالس المحلية إلى إنجاح فكرة أمانات السجل المدني، التي أحدثتها في المدن الكبيرة بشكل منفرد، وهي تحاول جاهدة الحصول على دعم واعتراف من المجتمع الدولي، لكن إلى حدود اليوم لم تتمكن من إنجاح التجربة.
وفي تصريح لصحيفة "
عربي21"، قال سالم الأطرش، أحد مؤسسي السجل المدني في المناطق المحررة وموظف سابق في مديرية الشؤون المدنية بحلب، "بدأت محاولات المعارضة في الداخل بإحداث دوائر للشؤون المدنية في عدة مناطق محررة في هذا العام".
وأضاف أن المجالس المحلية وبعض الهيئات الشرعية، تبنتها، وبشكل متفرق في كل محافظة ومجلس محلي، والكل يعمل حسب اجتهاده دون الحصول على اعتراف من أي دولة وحتى الحكومة المؤقتة لم تقدم أي دعم أو تتبنى هذه المشاريع".
وأضاف الأطرش: "وكان لمجلس محافظة حلب الحرة التجربة الأكبر من خلال إحداثه مديرية للشؤون المدنية، وأتبع لها 13 أمانة سجل مدني في الريف والمدينة، ولكن هذه التجارب لم تلقى قبولا من قبل الأهالي لعدم اقتناعهم بجدواها، وعدم ربطها بحياتهم العملية، وعدم حصولها على اعتراف دولي".
وبين الأطرش بأن هناك تقريبا 300 ألف طفل غير مسجلين في المناطق المحررة في سوريا، و50 ألف طفل في بلدان اللجوء هم اليوم غير مقيدين ومسجلين لدى دوائر السجل المدني عند النظام، وهم حاليا بلا قيود ومجهولي النسب.
وأوضح المتحدث أن "نتيجة الحرب في سوريا ولد جيل ضائع من الأطفال بسبب عدم حمله وثائق تثبت هويتهم، والسجل المدني الذي تم إحداثه لم يتم دعمه، والاعتراف به من قبل الجهات الدولية حتى يستطع أن يصدر وثائق وبطاقات شخصية، فكل ما أصدرناه بطاقة تعريف، وبيانات زواج وطلاق ووفيات ودفاتر عائلة، أي عملنا حاليا فقط توثيق".
وأفاد أن تراكم الولادات بدون تسجيل منذ 2012 سوف يؤدي إلى ضياع الأعمار الحقيقية "وهناك حالات مكتوم العمر مما قد يؤدي إلى حدوث حالات مكتوم النسب، نتيجة كثرة حالات الوفاة بسبب الحرب، خصوصا للآباء، أضف إلى ذلك حرمان الأطفال من السفر كونهم لا يملكون مايثبت شخصيتهم".
وقال إن غياب مؤسسات السجل المدني في المناطق المحررة بسبب النظام، فيه الكثير من المخاطر، ليس على الأطفال فقط؛ وإنما على عائلاتهم، "فكثير من الأسر هي اليوم بدون ثبوتيات نتيجة الحرب التي تسببت بدمار منازلهم وضياع أو حرق مقتنياتهم، ونزوحهم المفاجئ".
وكشف أن "الكثير من الأشخاص لا يحملون مايثبت شخصيتهم، وهم من مختلف الأعمار منهم من مات، وقيد مجهول الهوية، وهناك آلاف من الأزواج لم يتم تثبيت زواجهم، وهناك أطفال فقدوا أسرهم والمشكلة ستتفاقم في حال بقي المجتمع الدولي صامتا ورافضا منح الثبوتيات اللازمة وعدم اعترافه بمؤسسات المعارضة والأوراق الصادرة عنها ".
أطفال يدفعون الثمن
أجبر مئات الأطفال السوريين، ممن ولدوا خلال السنوات الأربعة الماضية، على دفع ثمن مواقف آبائهم السياسية، فحرموا حق من حقوقهم التي منحتهم إياها القوانين والشرائع الدولية.
قصة الطفلين "زاهر وصفوان" تجسد معاناة الكثير من الأطفال الذين يقيمون في مناطق المعارضة ودول اللجوء، وأغلب ذويهم من معارضي النظام، إذ لا يستطيعون تسجيلهم في سجلات الدولة الرسمية.
يروي أحمد داود والد الطفلين زاهر وصفوان لـ "
عربي 21" ما حدث معه: "ثمن تسجيل أولادي في دوائر النظام الرسمية وهي الجهة المعترف بها دوليا والوحيدة، قد يكلفني حياتي أو الاعتقال في غياهب السجون، كوني من معارضي هذا النظام".
وأضاف أن مسألة الحصول على أي ورقة ثبوتية ليس بالأمر السهل، "فالنظام احتكر الدوائر الرسمية، ووضعها في مناطق سيطرته، وفرض قيود ورقابة صارمة عليها لكي يجبر معارضيه على التخلي عن حقوقهم في تثبيت الزواج وتسجيل الأولاد، والحصول على البطاقة العائلية، أو التخلي عن مواقفهم والذهاب إليه وهذا مستحيل وغير ممكن لكل معارض له".
واستطرد "أو عليك أن تتعامل مع سماسرة في مناطق النظام وتدفع مبالغ كبيرة جدا، فمثلا إذا أردت أن تحصل على إخراج قيد يكلفك 25000 ليرة سورية فما بالك ببقية الأمور".
من جانبه طالب المحامي حومد حومد، من محامي حلب، الأمم المتحدة بالاعتراف بمؤسسات المعارضة والأوراق الصادرة عنها أو معاملة الأطفال السوريين في الداخل المحرر والخارج، كمعاملة أطفال الصومال والأفغان والفلسطينيين من خلال إصدار وثائق باسمها وتحت إشرافها تثبت حالات الولادات والوفيات وغيرها .
ويرى حومد أن هناك كوارث مستقبلية ستواجه الأطفال السورين غير المسجلين، "إن لم يتم تدارك الأمر سيكون هناك جيل من الأطفال مجهولي النسب، سيترك أثره على مواضيع الإرث والنسب والأسماء والمدارس والحقوق والوجبات بين الناس".