تستعد القوات
العراقية لشن هجوم على تنظيم الدولة في
الرمادي، بعد أن بدأت جهودا لقطع خطوط الإمداد للمدينة على مدى شهور، لكن لا تزال هناك الكثير من المخاطر.
وكان سقوط مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار في أيدي التنظيم أيار/ مايو أكبر هزيمة تمنى بها الحكومة المركزية العراقية خلال نحو عام، وهو ما أضعف الأمل في إخراج المتشددين من شمال وغرب العراق.
وستعطي استعادة المدينة -البالغ عدد سكانها 450 ألف نسمة- دفعة معنوية كبيرة لقوات الأمن العراقية التي انهار معظمها في وجه تقدم تنظيم الدولة، الذي سيطر العام الماضي على ثلث أراضي العراق عضو منظمة "أوبك" وحليف الولايات المتحدة.
والهدف النهائي للقوات العراقية هو إنهاء سيطرة التنظيم على الموصل معقله الرئيس، وأكبر مدينة في الشمال. وهناك حاجة لقوة دفع كبيرة لتحقيق هذا.
وقال ضباط في الشرطة والجيش العراقيين يشاركون في المعركة إن الحملة لاستعادة الرمادي تعثرت؛ بسبب الاستخدام المكثف للعبوات الناسفة بدائية الصنع، ونقص القوات والعتاد؛ نتيجة العجز النقدي الذي تعانيه الحكومة، وقواعد الاشتباك الصارمة المفروضة على الضربات الجوية بقيادة الولايات المتحدة.
لكن المكاسب التي تحققت في الآونة الأخيرة زادت التوقعات بأن الجيش يتجه للهجوم بعد ستة أشهر من التعهد باستعادة السيطرة على المدينة سريعا.
وتقع الرمادي على بعد 60 كيلومترا غربي بغداد.
وقادت قوات مكافحة الإرهاب العراقية التي تلقت تدريبا أمريكيا الحملة لمحاصرة المدينة. وبدعم من الفرق المدرعة في الشرطة الاتحادية، نجحت القوات في قطع الطرق الجنوبية والغربية؛ لمنع وصول التعزيزات من مدن قرب الحدود السورية.
وقال الضباط إن القوات سيطرت على بلدات وقرى وطرق في تلك المناطق، منها جامعة الأنبار ومناطق صحراوية مترامية الأطراف على الطريق السريع إلى سوريا.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، سيطرت قوات مكافحة الإرهاب على معسكر كبير للجيش على المشارف الغربية للرمادي وعدد من المناطق إلى الشمال حتى المدخل الغربي لجسر فلسطين على نهر الفرات.
وعلى الجانب الآخر من النهر الذي يجري من الشمال إلى الجنوب عبر الرمادي، تتقدم فرقتان من الجيش ببطء على طريق سريع شمالي. وفي الأسبوع الماضي وصلتا إلى جسر الجرايشي على بعد أقل من كيلومترين من النهر.
وقال الكولونيل ستيف وارن، وهو المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ويقصف أهدافا في سوريا والعراق منذ أكثر من عام، إن مقاتلي التنظيم يستخدمون نهر الفرات "طريقا سريعا مائيا" لإعادة تزويد وسط الرمادي بالإمدادات.
وبالسيطرة على الطريق السريع المؤدي إلى الجسر، سيكتمل الطوق المحيط في الرمادي، وتتمكن القوات من بدء تطهير المدينة الحي تلو الآخر.
"كل مشكلة ممكنة"
وليس واضحا كم من الوقت ستستغرق الفرقتان العسكريتان للقيام بالدفعة الأخيرة للوصول إلى جسر فلسطين. وتواجه القوات العقبات ذاتها التي أبطأت حصار المدينة على المحاور الأخرى، وستعقد القتال في الشوارع مستقبلا.
ويقول ضباط بالجيش في الأنبار إن بطء الحملة يرجع إلى المتفجرات التي زرعها مقاتلو التنظيم على نطاق واسع وإلى نقص القوات.
ويبلغ عدد أفراد القوات الحكومية حول الرمادي عشرة آلاف فرد، وهم يفوقون عدد مقاتلي الدولة هناك، بواقع عشرة إلى واحد على الأقل، لكن كفاءتهم ودرجة استعدادهم متفاوتة.
وتعاني قوات الأمن العراقية ضغطا نتيجة القتال على جبهات عدة، وقد أضعفها الفساد واقترابها من الانهيار مرتين في العام الأخير في مواجهة تنظيم الدولة.
ولا يزال الكثير من أفضل قوات الجيش تسلّحا حول بغداد لحماية مقر الحكم.
وعلى الرغم من المكاسب التي تحققت في الآونة الأخيرة، فإن قوات الأمن لا تزال حذرة، وهو ما يثير تساؤلات عن وتيرة أي عملية كبرى.
وقال ضباط في الجيش إن القادة يشعرون بالقلق من وقوع خسائر بشرية في صفوف قوة مستنزفة بالفعل، فيتجنبون المواجهة مع عدو دأب على تعذيب وإعدام من يأسرهم.
وقال عقيد في الفرقة التاسعة في الجيش التي تقاتل إلى الشمال من الرمادي: "يجب علينا أن نشن هجوما ونراقب ظهورنا في الوقت ذاته.. هذا حمل ثقيل يقع على عاتق جنودنا".
وواجهت الحملة صعوبات بسبب غياب قوات الحشد الشعبي، وهم مقاتلون لعبوا دورا مهما في المعارك الأخيرة التي أعادت مدينتي تكريت وبيجي لسيطرة الحكومة.
وتشعر واشنطن بالقلق من الجماعات الشيعية المسلحة التي تهيمن على الحشد الشعبي، فسعت لإبعادها عن المناطق التي يشن فيها التحالف الدولي هجماته.
وقال ضباط إن التغيير المتكرر للقيادة أضعف الروح المعنوية. وشهدت قيادة عمليات الأنبار تعيين ثلاثة قادة في أقل من عام، كما قتل اثنان من كبار القادة في المعارك.
علاوة على ذلك، فإن ضعف خطوط الإمداد يؤدي في كثير من الأحيان إلى مواجهة القوات الموجودة على خط الجبهة لنقص الوقود والذخيرة والرعاية الطبية.
وقال خبير الشؤون العراقية في معهد واشنطن للأبحاث، مايكل نايتس: "الجيش العراقي يعاني من كل مشكلة يمكن أن يواجهها جيش".
وينتقد ضباط في الجيش ضربات التحالف الجوية؛ لانشغالها أكثر من اللازم بتفادي سقوط ضحايا من المدنيين. ويقولون إن مقاتلي التنظيم في أغلب الأحيان يذوبون في الأمان النسبي الذي تتمتع به المناطق السكنية لينفذوا منها هجماتهم بقذائف المورتر.
وقال ضابط قريب من قائد عمليات الأنبار: "انه كابوس. نحن نعاني خسائر جسيمة".
وبينما يقول الجيش الأمريكي إن ضرباته دقيقة، يقول سكان الأنبار إن مئات المدنيين قتلوا منذ بدء الحملة في أيلول/ سبتمبر 2014.
وقال نايتس الذي زار مقر قيادة التحالف وقواعد تدريب داخل وحول العراق الشهر الماضي، إن توخي الحذر من سقوط قتلى مدنيين يقلل من فاعلية الضربات الجوية.
وفي حين أن معظم المدنيين فروا من الرمادي قبل شهور، فإن من المعتقد بأن الآلاف ما زالوا يعيشون هناك.
وذكر عدة سكان في الأسابيع الأخيرة أن الحملة أبعدت مقاتلي تنظيم الدولة عن الأسواق والميادين العامة التي كانوا يتجولون فيها ذات يوم.
وأضافوا أن الحصص الغذائية والمساعدات التي يقدمها التنظيم للمدنيين تضاءلت.
وبينما فرضت القوات الحكومية الطوق الأمني، احتمى سكان المناطق الموجودة على مشارف المدينة في المنازل المهجورة في وسطها.
وحاول آخرون الفرار، لكن في ظل ضعف الاتصالات وتوفر معلومات محدودة عن الهجوم، واجه كثيرون صعوبات في البحث عن مخرج.