قالت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها إن وفاة أحمد
الجلبي هي فرصة لمراجعة نظرية الشخصية العظيمة في التاريخ.
وتقول الصحيفة: "لم يكن الجلبي شخصية عظيمة، ولم يكن حتى شخصية جيدة، ولكنه كان مغامرا ذا طاقة وجرأة مذهلتين. وإنه قد يكون غيّر مجرى التاريخ، ولو لم يعش لبدا ما فعل وكأنه غير وارد".
وتضيف الافتتاحية: "نميل للنظر إلى التاريخ على أنه نتاج لقوى غير شخصية، ولذلك ننظر إلى نكبة مثل غزو
العراق بأنها متعلقة بقضايا مهمة كثيرة. ولكن بالنظر إليها من عدسة الوظيفة التي قام بها الجلبي، فإن شكلها يشبه مسرحية ساخرة ذات طعم مر من أعمال غراهام غرين. رجل لديه طموح غير محدود، استطاع أن يجنذ أقوى جيش في العالم لمصالحه الخاصة. وبشكل عابر تقريبا دمر بلده وكثيرا من الشرق الأوسط".
وتشير الصحيفة إلى أن "الجلبي كان عراقيا شيعيا ثريا يعيش في المنفى، وكان بارعا في مجالي المال والرياضيات، ويحمل الدكتوراة من جامعة شيكاغو في نظرية العقد، وكانت لديه موهبة في نسج الروايات، ويرغب الناس في سماعه. وأثرى أكثر من بنك في الأردن، ولكنه اضطر لأن يغادر البلاد في صندوق سيارة؛ بسبب سوء تفاهم مع المودعين، ولم يعد إليها في حياته، حيث إنه كان محكوما غيابيا بـ 22 عاما في السجن؛ بتهمة الاحتيال، وبالطبع اتهم صدام بالوقوف وراء ذلك".
وترى الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، أن ما سبق "كان خلفية قرار مجموعة داخلية من واشنطن، عرفت فيما بعد (بالمحافظين الجدد) بأن تختار هذا الرجل ليدخل للعراق الديمقراطية وحكم القانون. وكانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مثاليون بالمقارنة مع الواقعيين، الذين يفضلون تبديل صدام بديكتاتور آخر أكثر طواعية في أيديهم. أو ربما ظنوا أن الجلبي سيكون الشخصية القوية التي في جيبهم".
وتستدرك الصحيفة بأن الجلبي "كان يعرف جيدا ما الذي يريدون سماعه. وكان يقول لأي شخص يستمع إليه إن الشعب العراقي سينتفض ضد الديكتاتورية الكريهة، وإن الشعب يصبو إلى الحريات الموجودة في الغرب. وكان أناسه يخبرون عددا من الصحافيين المختارين وضباط المخابرات قصصا لا نهاية لها حول أسلحة الدمار الشامل. ومن الصعب حل اللغز الآن، أي القصتين كانت أقل مصداقية، ولكن كان هناك كثير من المتنفذين يريدون تصديق القصتين. بل إن هناك ما يدل على أنه كان نفسه يصدق دعواه بأن الشعب يصبو إلى الديمقراطية، وإن لم يكن حول أسلحة الدمار الشامل".
وتبين الافتتاحية أنه "عندما أصبح غزو العراق مقبولا، بعد أن جن جنون أمريكا بسبب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، كان الجلبي موجودا هناك ليخبر الجميع بأن ذلك كان الشيء الصحيح الواجب فعله وأنه سينجح. كما وعدهم بأن ذلك سيكون ممكنا بقوة قليلة. وبعد الحرب، وانهيار كل شيء، تبين كذب الجلبي، ولكنه في ذلك الوقت لم يعد يهمه. فقد عاد إلى العراق وشغل عدة مناصب مربحة في حكومة ناجحة، وأدى دور العميل لإيران بدلا من أمريكا. وكانت خيبة أمل العراقيين فيه، كخيبة أمل كل من عرفه ووثق به، سببا في انتهاء مهنته السياسية. ومع ذلك مات مسنا وثريا، ونجا من السجن، وبعد عودته من المنفى إلى بلده، الذي عمل الكثير في المساعدة على تدميره".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول: "الخلاصة من قصة هذا الرجل هي أنه يمكن للشرير أن يعيش حياة رخاء، ولكننا نعرف ذلك. وما هو مذهل حقيقة هو سذاجة القوي. كان الجلبي رجلا ذكيا للغاية، ولكن لم يكن لديه سوى القناعة واللباقة ليقنع واشنطن الرسمية بنسيجه من الخرافات. وقليل ما تترتب على التفكير الرغبي نتائج بهذه الفظاعة".