تساءل معهد واشنطن للدراسات في تقرير له عن سبب توجه اللاجئين السوريين إلى
أوروبا في هذا الوقت بالتحديد، رغم أن الأزمة السورية مستمرة منذ ما يقرب من خمس سنوات فضلوا خلالها التوجه إلى الدول المجاورة.
وقال التقرير إن الغالبية العظمى من السوريين الذين فروا من بلادهم، هربوا من ضربات النظام؛ "فخلال الشهر الماضي فقط أظهرت أرقام صادرة عن "مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" أن "تصاعد حدّة القتال شمال غرب البلاد قد أسفر عن تهجير حوالي 120 ألف شخص منذ بداية التدخل الروسي، وسترتفع هذه الأرقام مع استمرار هجمات النظام. وفي السابق، سعى المدنيون إلى الفرار من العنف الذي يجتاح جميع أنحاء
سوريا، مثل تفجير شرق حلب، وتدمير اليرموك وباب عمرو وأحياء أخرى، واستعادة الجيش السيطرة على القصير ويبرود".
وقال التقرير إن روسيا تكرر اليوم المشهد الشيشاني في سوريا باستهداف الحياة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وتدمير الأسواق، والمدارس، والمستشفيات، مؤكدة أن بوتين غير مهتم بـ"كسب القلوب" في التدخل بسوريا.
ويشير التقرير إلى أن معظم اللاجئين في الدول المجاورة فقدوا الأمل في العودة إلى بلادهم، فسكان باب عمرو على سبيل المثال أدرجت أسماؤهم على القائمة السوداء للنظام إذا ما رغبوا في العودة إلى ديارهم.
ولفت إلى أن "بشار الأسد سعيد لرؤية اللاجئين يغادرون سوريا، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أن رحيل الملايين من العرب السنّة يزيد من الوزن الديمغرافي للأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد. وهذا التطور يعكس الاتجاه الذي ظهر في العقود القليلة الماضية، عندما كانت معدلات الخصوبة منخفضة في صفوف الطائفة العلوية الأكثر ازدهارا، إلا أنها بقيت مرتفعة في صفوف السنّة الأكثر فقرا".
وعن الدول المجاورة لسوريا قال التقرير: "عموما، لا يمكن دمج السوريين في الدول المجاورة المشبعة بأعداد كبيرة، كما أنهم ليسوا موضع ترحيب في دول الخليج. ومن جهة أخرى فإن المساعدات الدولية لن تكون كافية لمنحهم مستوى معيشة كريما في الدول المجاورة، وهناك مخاطر عالية من انتشار التطرف بين الجيل الضائع من اللاجئين في سن المراهقة".
وفي لبنان، يعيش غالبية اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم 1.5 مليون شخص في وضع يائس. فلا يوجد مخيمات للاجئين يمكنهم من خلالها الوصول إلى الخدمات الضرورية، كما أن ثلاثة أرباعهم يعيشون في ظروف غير مقبولة وفقا لمعايير "المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين". ومن الناحية الفرضية، فإنه ينبغي أن تكون الرعاية الصحية مقدمة إليهم مجانية في المستشفيات الحكومية لأن الأمم المتحدة تدعم هذه الرعاية، ولكنهم في الواقع لا يستطيعون الاستفادة من الخدمات الطبية دون دفع الرشاوى.
"أضف إلى ذلك أن المسؤولين اللبنانيين والآباء عموما لا يريدون فتح النظام التعليمي للسوريين: فإن حوالي 30 في المائة فقط من أطفال اللاجئين يذهبون حاليا إلى المدارس. كما أنه يجب على كل سوري يتعدى عمره الأربعة عشر عاما أن يدفع ما لا يقل عن 360 دولار سنويا للحصول على بطاقة إقامة، بينما كان المبلغ 200 دولار في عام 2014؛ ومن دون هذه البطاقة، فإنه يمكن أن يوضعوا في السجن لمدة أربعين يوما. ومن ناحية أخرى، فإن سوق العمل اللبناني في وضع صعب، لذلك فإن اللاجئين الذين يجدون عملاً، عادة ما يعملون من أجل تأمين طعامهم اليومي فقط. بالإضافة إلى ذلك، يعيش اللاجئون الذين تعاونوا مع المعارضة تحت التهديد المستمر بإعادتهم إلى سوريا. فالعديد منهم يخافون من حزب الله والقوى الأمنية اللبنانية التي غالبا ما تعتبرهم مؤيدين محتملين لـتنظيم داعش أو لـجبهة النصرة التي تدور في فلك تنظيم القاعدة".
كما أن تدهور أوضاع اللاجئين في مصر وكردستان العراق يدفعهم إلى الهرب إلى أوروبا بعد أن رحب الرئيس المصري محمد مرسي بهم، وقد ضيقت عليهم إدارة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لذا انخفضت أعداد المتوجهين إلى مصر، لصالح
الهجرة إلى أوروبا.
أما في شمال العراق، فجميع اللاجئين تقريبا، والذين يبلغ عددهم 250 ألف شخص، يأتون من الكانتونات الكردية السورية أو من دمشق. وعلى الرغم من أنهم كانوا قد وجدوا سابقا وظائف بسهولة في إقليم كردستان، إلا أن الأزمة المالية المحلية قد حدّت من الفرص المتاحة أمامهم إلى حد كبير منذ كانون الثاني/ يناير 2014.
ويتابع التقرير: "من الواضح، إذن، أن الاستقرار في دول الجوار هو عملية معقدة وغير مرغوب فيها مقارنة مع معايير الحياة الأوروبية، وبعد أن سمع السوريون عن هذه المشاكل أو عانوا منها بشكل مباشر، فقد قرر العديد منهم التوجه إلى القارة الأوروبية. ومثلهم مثل معظم اللاجئين، فهم ببساطة يريدون الرعاية الصحية والتعليم الجيدين، وهم على أتم الاستعداد للعمل لكنهم يواجهون عوائق أمام جميع هذه المساعي في الدول المجاورة. وهم يدركون أن لدى المجتمعات الأوروبية عراقيلها الخاصة التي تحول دون دمجهم، ولكنهم يعلقون آمالاً كبيرة على مساعدات الانتقال الواسعة المقدمة للاجئين. كما أن السياسة الأوروبية القائمة على لم شمل الأسرة هي ميزة أخرى، إذ إنها تسمح للأشخاص الضعفاء بتجنب مخاطر الهروب الأولي.. على سبيل المثال، يمكن للأب أن يقوم بهذه الرحلة وحده، وأن يحصل على بطاقة الإقامة، ثم يتقدم بطلب لم الشمل مع زوجته وأولاده وأهله".