"الشعب يعطي ظهره للانتخابات.. إصرار الشعب على المقاطعة..
انتخابات الرشاوى.. الرشاوى في جولة الإعادة.. الصوت لمن يدفع".
هذه مانشيتات صحف
مصرية صدرت الخميس 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، صبيحة انتهاء جولة الإعادة من المرحلة الأولى لانتخابات مجلس "النواب" المزمع.. إذ حرصت غالبية الصحف على إبراز الصورة الحقيقية لليوم الأخير في اجولة، التي جاءت مُجلَّلة بفضائح احتلت تلك المانشيتات.. كما سلف.
في المقابل، تجاهلت الصحف الحكومية الكبرى الثلاثة (الأهرام والأخبار والجمهورية) هذا المشهد، وحاولت القفز فوقه، بشغل انتباه القارئ بنتائج الفرز، والمؤشرات الأولية، فضلا عن منح الصدارة لبدء رئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي، زيارة رسمية اليوم إلى الهند، بعد ختامه الأربعاء، زيارة إلى الإمارات، استمرت يومين.
البداية تأتي مثيرة للانتباه مع صحيفة "المصري اليوم" (أكبر صحيفة مصرية يومية خاصة) التي أبرزت صورة لجنة خاوية من الناخبين، وقد تراصت فيها المناضد الفارغة، بينما المانشيت يقول: "بنهاية "الإعادة": الصوت لمن يدفع"، مشيرة إلى "رشاوى مالية ومخدرات للناخبين، وتصويت في الخارج أقل من 20 ألفا".
فقد "غلبت المخالفات والخروقات وشراء الأصوات على اليوم الثاني لجولة الإعادة بالمرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب، الأربعاء، واستمر ضعف الإقبال في معظم اللجان بالمحافظات التي تجري بها المرحلة الأولى، وعددها 14 محافظة..
ورصدت منظمات حقوقية وغرف عمليات بعض الأحزاب مخالفات عدة تمثلت في الدعاية أمام اللجان، وشراء الأصوات، ومرور سيارات عليها مكبرات الصوت في المناطق المختلفة لحشد الناخبين للتصويت لصالح مرشح معين، فيما كثفت القوات التابعة للقوات المسلحة والشرطة من تواجدها أمام جميع اللجان لتأمينها".
هكذا نقلت الصحيفة الصورة المثيرة، ثم دخلت في التفاصيل فقالت: "في محافظات الصعيد، لجأ مرشحو الإعادة إلى عقد تحالفات لحسم الجولة، ورصد مراقبون شراء الأصوات، وتم ضبط مؤيدي مرشحين ووكلاء لهم بحوزتهم أموال وبطاقات للناخبين، مؤكدين أن الصوت الواحد بلغ 300 جنيه في بعض الدوائر..
وأكدت البعثة الدولية المحلية المشتركة لمتابعة الانتخابات، في بيان الأربعاء، تقديم رشاوى انتخابية وصلت في بعض الأحيان لتوزيع مواد مخدرة".
"انتخابات الرشاوى والاستقطاب الديني"
هكذا رأتها صحيفة "الوفد" في مانشيتها. فقالت في عناوينها: "الأغلبية خاصمت لجان التصويت والمحصلة النهائية للمرحلة الأولى مخيبة للآمال.. "النور" يدعو إلى "غزوة الصناديق" ويستخدم دعاية طائفية.. مزاد الصوت الانتخابي يصل إلى 500 جنيه والمخدرات تدخل دائرة "المال السياسي".. الطائرات تشارك في تأمين دوائر قنا من معارك "الثأر".. والإقبال ضعيف.. الجيش والشرطة ينقذان "جهينة" من حرب أهلية بين أنصار المرشحين".
مسألة تقديم "الرشاوى الانتخابية"، التي ذكرها مانشيت "الوفد" أشار إليه أيضا مانشيت صحيفة "روزاليوسف" (الحكومية) الذي قال: "الرشاوى" في جولة الإعادة". وأضاف: "كيلو لحمة و600 جنيه سعر الصوت في بني سويف".
وفي التفاصيل ذكرت الصحيفة أن جولة الإعادة شهدت عددا من الخروقات، بحسب تقارير المنظمات، منها توجيه الناخبين، وتوزيع رشوى انتخابية بلغت 100 جنيه مقابل الصوت"، بحسب الصحيفة.
"الأمطار سيول.. والانتخابات جفاف"
هكذا ربطت صحيفة "الوطن" في مانشيتها، ربطا غير منطقي، وفق مراقبين، بين ما شهدته البلاد من أمطار في بعض المحافظات، وجولة الإعادة.
فذكرت الصحيفة أن موجة اللأمطار التي ضربت أنحاء مختلفة من البلاد، ليومين متتاليين، قضت على آمال زيادة التصويت في الجولة الثانية للمرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، حيث أغلقت لجان الاقتراع أبوابها الأربعاء وسط معدلات إقبال اعتبرها مراقبون أضعف مما سجلت باليوم الأول.
ورصدت البعثة الدولية المحلية المشتركة لمتابعة الانتخابات، التأثير السلبي للأمطار على معدلات إقبال الناخبين بلجان الإسكندرية، والبحيرة، ومطروح، فيما تواصل التصويت الطائفي بمحافظات الصعيد، وبلغت نسبة التصويت بالإسكندرية، حسب المستشار عبدالله الخولي، 10%"، وفق "الوطن".
غضب شعبي جامح والعواقب القادمة
لكن صحيفة "الدستور" آثرت - بشكل ناجح - تجاوز المشهد بتفصيلاته السابقة، وحاولت استنطاقه، والتعبير عن مغزاه، ومعرفة كُنهه، وسبر أغواره، فصدر مانشيتها يحمل رأيها، محذرا كالتالي:
"إصرار الشعب على المقاطعة أمر في غاية الخطورة.. احتجاب جموع الجماهير عن المشاركة دليل واضح على غضب شعبي جامح، والعواقب القادمة وخيمة".
والأمر هكذا شددت "الدستور" على أن: "مشاكل مصر تنحصر في الحالة الاقتصادية المتردية غير المسبوقة في تاريخ البلاد، لذلك يجب على "الرئيس" مراجعة جميع حساباته والمشاريع المطروحة، وإعادة النظر في جميع مستشاريه الاقتصاديين والسياسيين معا".
وزادت الصحيفة: "مصر تسير بفكر اقتصادي سيء، ومتهالك، وسيأخذ البلاد والشباب والأجيال القادمة إلى منحدر لا يعرف مداه إلا الله".
والحل؟
رأت "الدستور" أنه لا يأتي إلا بالمشاريع الاستثمارية التي تجلب دخلا بالعملة الصعبة، وترفع من القيمة المضافة للاحتياطي النقدي للبلاد"، بحسب رأيها، الذي لاحظ مراقبون أنه أسقط - تماما - الحديث عن إخفاق الجانب السياسي لنظام السيسي، على ما له من أهمية، مركزا فقط على الجانب الاقتصادي.
الشعب يعطي ظهره للانتخابات
ذهبت صحيفة "المقال"، مذهب "الدستور"، وأدلت بدلوها حول الانتخابات، فرأت في مانشيتها أن "الشعب يعطي ظهره للانتخابات"، وأقر رئيس تحريرها الإعلامي الموالي للسيسي، إبراهيم عيسى"، في بدايته، أن "المشهد بائس فعلا"، وذلك في مقاله الذي تصدَّر الجريدة بعنوان: "لا الدولة (يقصد السلطة) تعلمت.. ولا الأجهزة فهمت.. ولا الحكومة تغيرت.. ولا كأن حاجة حصلت".
ومعبرا عن إحساسه بالكمد، قال عيسى: "أي تلوين أو تبرير تافه مما تريد الأجهزة الرسمية أن تروجه على ألسنة مسؤولين أو سياسيين أو إعلاميين لهذا المشهد البائس من خلو لجان الاقتراع من الناخبين، ومن العزوف السافر عن الانتخابات، هي تبريرات تافهة فضلا عن أنها مغرضة تهدف إلى تزوير الحقيقة، وهي ساطعة ناصعة جدا".
ما هي تلك الحقيقة؟
أجاب: "لنعرف جميعا أن مصر (يقصد نظام السيسي) في خطر.. استمرار الفراغ السياسي وغياب الحكومة السياسية خطران كارثيان على البلد".
لماذا؟
أجاب: "عندما يفقد الشعب ثقته في أن صناديق الانتخابات هي طريق التغيير، وحين لا يرى الشعب أن مجلس النواب هو الذي يمثله، ويعبر عنه، وحين يعتقد الشعب أن السياسة ليست طريق الوصول للحكم، ولإدارة البلد، فهذا كله يعني أنه سيلجأ إلى طريق آخر، وهو هنا: واحد من ثلاثة".
ما هي؟
قال: "الأول: السلبية واللامبالاة، وستتراكمان في النهاية غضبا ينفجر في حينه.. الثاني: اللجوء إلى التيار المتطرف الغيبي السلفي الذي يعده بجنة موعودة تنتهي غاليا بتفجير نفسه أو قتل أبناء شعبه"، وفق وصفه.
والثالث؟
"الالتزام بمنهج الاحتجاج والإضراب، فنرى التعبير عن مواقفه ومطالبه عبر المظاهرات مهما كانت محدودة، والوقفات الاحتجاجية حتى لو فئوية، والإضراب ولو لم يكن شاملا، وبصعود نجومية الحركات الاحتجاجية بديلا عن الأحزاب السياسية".
والأمر هكذا سأل الكاتب الموالي للسيسي القارئ: هل يذكرك هذا بشيء؟
وأجاب: "هذا يعيدنا فورا إلى ما قبل 25 يناير".
وساخرا تساءل: من أين يأتي ذكاء هذه الدولة (السلطة) التي تصمم على إغراق نفسها؟
أجاب: "من سيادة نفس المنطق والمنهج للوجوه الجديدة التي خلفت الوجوه القديمة، وهي كلها تلاميذ في نفس المدرسة، وهي بالتأكيد ليست مدرسة متفوقين أبدا"، بحسب تعبيره، الذي ينطبق عليه القول - وفق مراقبين -: "صدق وهو الكذوب".