تلقى شجرة
الزيتون اهتماما خاصا لدى الشعب
الفلسطيني، كما يعتبر زيت الزيتون أحد أعمدة الاقتصاد الفلسطيني، ولا تخلو مائدة بيت فلسطيني من حبات الزيتون، ولا بيت إلا ويخزن كمية من زيت الزيتون، ويحضر الزيتون في وجدان الفلسطينيين بالأمثال الشعبية، كالمثل: الزيت عماد البيت.
ويعيش الفلسطينيون في مثل هذه الأيام موسم قطف الزيتون وعصره للحصول على الزيت كما في كل عام، وتعدّ منطقة
جنين من أكثر المناطق إنتاجا، خصوصا في مناطق مثل الجديدة وجبع وكفر راعي في غالب المواسم، في حين يبلغ ثمن كيلو الزيت الجديد 25 شيكل (حوالي 6 دولارات ونصف).
ونظرا لارتفاع كلفة المعيشة وغلاء الأسعار؛ لم يعد غرس الزيتون بهدف الانتفاع من ثمره لما يسمى هنا "مونة البيت" مقتصرا على الريف وعلى المهتمين بالزراعة، بل تعداه إلى سكان المدينة، فلا تجد حديقة بيت إلا وغرست بها أشتال الزيتون، ومع أن الاهتمام وزيادة الطلب يفترض بأنهما فرصة للربح والاستفادة ممن يمتهن مهنة زرع أشتال الزيتون وبيعها، إلا أن الصورة ليست كذلك، خاصة لمن لديه مشتل صغير نسبيا.
واشتكى محمود أبو تميس "أبو غيث"، الذي يمتهن زراعة أشتال الزيتون وبيعها، من قلة المردود المادي، والتكلفة العالية، والتعب والجهد المتواصل، قائلا إن "العمل الذي يقوم به له تكلفة كبيرة، يضاف لها تعب وجهد متواصل" في أرض تبلغ مساحتها 900م مربع، في سهل مدينة جنين، استأجرها بـ260 دينارا أردنيا للسنة الواحدة.
وعن خطوات العمل قال: "أبدأ بجمع حب الزيتون البري من المزارعين، وهو قليل وغير متوفر في السوق، وأشتريه منهم ابتداء من منتصف شهر أيلول/ سبتمبر، وهذه مهمة صعبة لقلة الكميات"، مشيرا إلى أن اختياره للزيتون البري لأن "البزرة البرية قوية، وأفضل لأنها تتغذى على المياه الجوفية"، في حين يبلغ سعر البزر البري 3 شيكل للكيلو غرام الواحد، وكل كيلوغرام يحتوي على 3000 بزرة، بنسبة نجاح تتراوح ما بين 30-40%، مضيفا بالقول: "أملأ أكياس بلاستيكية بالتراب، وأستأجر عمالا، أجرة الواحد منهم من 50-70 شيكل يوميا لمساعدتي وأغرس البزر فيها، بسعر 13 شيكل للكيلو الواحد، وكل كيلو من هذه الأكياس يحتوي على 66 كيسا".
ويضم مشتل أبو غيث، الذي يعدّ صغيرا نسبيا، حوالي 8000 شتلة زيتون، منها 6000 شتلة خضعت لما يعرف بعملية "التركيب" التي يقوم بها مختص يتم استئجاره؛ فزراعة البزر البري تبدأ في العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، وتبدأ شتلة الزيتون بالبروز في الفترة ما بين 15 شباط/ فبراير وحتى 15 آذار/ مارس، ثم تأتي مرحلة التركيب، أي إدخال عرق أو عود زيتون عليه براعم داخل الشتلة الوليدة، وهي عملية عادة تتم في منتصف أيلول/ سبتمبر، ولكن الأضمن للنجاح أن تتم في منتصف شباط/ فبراير، وبعد شهرين أو ثلاثة (غالبا ما بين 20 نيسان/ أبريل وحتى منتصف أيار/ مايو) يتم بما يعرف بـ"حل التراكيب" أي إزالة الكيس عن الشتلة حينما يراه قد انتفش من الورق.
وعن سقيه والعناية به، قال أبو غيث إن "شجرة الزيتون أمراضها أقل من غيرها، ولكن هذا لا يعني أنها لا تحتاج إلى عناية وتسميد، وهناك أنواع من السماد ممنوعة من الاحتلال، فأضطر لشراء سماد إيطالي مرتفع الثمن، وأقوم بشراء الماء لسقي الشتلات، علما بأن ثمن كوب الماء الواحد 3 شيكل، وأحتاج أسبوعيا إلى حوالي 26 كوبا لمدة تسعة شهور".
ويتفاخر أبو غيث بقدرته على إنتاج شتل سريع الإثمار، قائلا: "لدي استعداد أن أجعل شجرة زيتون بخمس سنوات تنتج ما تنتجه شجرة عمرها 20 سنة، وذلك باستخدام الزبل المخمر الطبيعي".
وتحدث أبو غيث بأسى عن التسويق، فقال: "أنا أفضل بيع منتوجي إلى وزارة الزراعة؛ لأنها تأخذ كميات كبيرة من الأشتال، ولكنها تشترط الحصول على ترخيص مشتل، وهذا أمر لا قدرة لي عليه لتكلفته وتبعاته التي لا تتناسب مع إمكانياتي، ولهذا أبيع أشتال زيتوني إلى أصحاب مشاتل كبيرة مرخصة ممن يبيعون منتوجهم إلى وزارة الزراعة أو لأناس يريدون تشجير أراضيهم"، موضحا أن سعر الشجرة يكون "بحسب حجمها وسمك قطرها، وإجمالا تباع بعد التركيب للناس بحوالي 15-20 شيكل، ولكن الاعتماد الأكبر على المشاتل الكبيرة؛ حيث يأخذون الشتلة بحوالي 5 شيكل فقط".
من جانب آخر، يرى محمد السعدي "أبو مصطفى"، وهو أستاذ مدرسة، ولديه في منزله في جنين ما يسميه "معرضا" لأشتال مختلفة وورود وأزهار، أن أبا غيث أو غيره ممن يمتهنون زراعة أشتال الزيتون كمهنة أساسية ويعتمدون على دخلها لن يستفيدوا إلا في حال كان لديهم مشروع كبير، بـ50 ألف شتلة على الأقل، متحدثا عن أشخاص معروفين تركوا هذا العمل نهائيا.
وعن سبب قلة المردود المادي لمن يزرع ويبيع أقل من هذا العدد، قال أبو مصطفى: "لا تنس أن وزارة الزراعة تعطي أشتال زيتون للمواطنين والمزارعين تقريبا مجانا، بمساهمة صغيرة يدفع المواطن شيكلين فقط، فلم يشتري ما هو أغلى؟"، مقللا من فكرة بيع المنتوج من المشاتل الصغيرة إلى الكبيرة المرخصة بقوله إن "حالات قليلة جدا ونادرة تنجح، لأن المشاتل تنتج أكثر من المطلوب منها عادة".
وأكد ما ذكرناه في البداية عن زيادة الاهتمام بزراعة شجرة الزيتون، لأنها "شجرة معمرة وسلعة ضرورية وإجمالا لا تحتاج إلى عناية كبيرة بعد شهرها الأول"، مشيرا إلى أن من يريد العمل في هذا المجال يحتاج إلى رأسمال كبير نسبيا يشمل أجرة عمال ومهندسين زراعيين ومياه وفيرة، وأن يتحمل الدّين، لأنه لن يقبض ثمن منتوجه المباع غالبا للزراعة فورا.
وعن تجربته الشخصية مع أشتال الزيتون، كونه لديه مهنة أخرى غير زراعة وبيع الأشتال، قال أبو مصطفى: "الحقيقة أن مخاطر مرض وموت الزيتون أقل من أشجار أخرى مثل اللوزريات، مع أن جدواه الاقتصادية أقل من الجرانك والخوخ مثلا، ولكن شخصيا لا أحبذ التعامل بالبزر البري مثل أبي غيث؛ لأن جمعه مكلف ومتعب، بل أشتري أشتال زيتون من المشاتل بحوالي 8 شيكل، وأعمل على نقلها بعد سنة إلى طوبارة جديدة، وتظل عندي سنتين ثم أبيعها، والبيع كما نعلم حسب الحجم بسعر يتراوح ما بين 15-20 شيكل"، مستدركا بالقول إن "الشتلة التي يتم التعامل معها بهذه الطريقة تحتاج مني خدمة أكثر من غيرها".
ومن خلال حديثنا مع أبي غيث وأبي مصطفى والعديد من المواطنين الذين لهم اهتمام بشجرة الزيتون، تبين أن من سيمتهن زراعة أشتال الزيتون بعدد أشتال يقل عن بضع عشرات الآلاف لن يستفيد ولن يفي باحتياجاته، وأن اهتمام الناس المتزايد بشجر الزيتون وزراعته والعناية به في جنين لم ينعكس على ربح هذه الفئة، ولم يقلل من نسبة البطالة، وإن كان ثمة فائدة آنية غير دائمة للعمال المُستأجَرين من أصحاب المشاتل.