كتب طارق الحميد: سرعان ما تبخرت الفقاعة الدعائية لزيارة بشار
الأسد السرية إلى
روسيا ولقائه الرئيس فلاديمير
بوتين وربما بالسرعة ذاتها التي ربط فيها بشار الأسد ربطة عنقه قبل دخوله القاعة للقاء، حيث بدا الأسد باهتا، وبدت ربطة عنقه محلولة.
نقول، سرعان ما تبخرت الفقاعة الدعائية، لأن ردود الأفعال الدولية كانت سريعة، وواضحة، ووصلت إلى حد التندر، فبينما أعربت واشنطن عن استنكارها الشديد، ردت أنقرة بتهكم قائلة ليته يبقى في موسكو، ويعطي السوريين راحة منه، بينما قالت الرياض إن الحل الوحيد الذي يمكن أن يقدمه الأسد هو الخروج من
سوريا.
والأغرب أن حلفاء الأسد أنفسهم بدا عليهم الارتباك، حيث لم يكن حجم ابتهاجهم بأول زيارة خارجية للأسد منذ اندلاع الثورة كبيرا، أو ملحوظا، وحتى عندما طار علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، إلى روسيا، والتقى الرئيس بوتين، لم يستغل زيارة الأسد للترويج الدعائي بقدر ما انشغل في التهجم على السعودية، ومن يدري، فربما حجم القلق الإيراني الآن أكبر من الانشغال بدعاية زيارة الأسد لروسيا!
استراتيجيا، لا قيمة لزيارة الأسد السرية هذه، ويصعب بناء الكثير عليها، بل تظهر أن الروس لا يزالون يتلمسون طريقهم للأزمة السورية، خصوصا بعد تدخلهم العسكري، ومن الملاحظ، كما قلنا مرارا هنا، أن هناك ارتباكا روسيا، وتناقضا في التصريحات، تارة حول الجيش الحر، وتارة أخرى بالطلب من
الغرب تزويدهم بمواقع "الإرهابيين"، ثم التساؤل عن: من هي
المعارضة السورية المعتدلة!
وصورة لقاء الرئيس بوتين بالأسد تظهر لا مبالاة روسية بالأسد، حيث حضر اللقاء وحيدا، وبينما أظهرت الصورة أن هناك من الطرف الروسي من يدون ملاحظات كان الأسد بلا مرافق حتى يدون له الملاحظات، ولم يرفع خلفه العلم السوري!
وعندما قال الرئيس بوتين، بعد اللقاء، إنه من الممكن أن يرفع الستار قليلا عما دار بينه وبين الأسد، قال إنه سأله: "كيف سيكون رأيك لو وجدت الآن في سوريا معارضة مسلحة، لكنها مع ذلك مستعدة حقا لمعارضة ومقاومة الإرهابيين و(داعش)؟ كيف سيكون رأيك لو كان لك أن تساند جهودهم في قتال (داعش) بالطريقة ذاتها التي نساند بها الجيش السوري"؟
فرد الأسد قائلا: "سأنظر إلى ذلك باستحسان"! هذا الحوار المقتضب، وصيغته، يظهران أن بوتين أحضر الأسد ليستمع له بنفسه، وليس عبر مبعوثين، ما يعني أن الروس لا يثقون به، وأن تدخلهم في سوريا هو لحماية مصالحهم، وبسط نفوذهم بسوريا والمنطقة، وليس لدعم الأسد شخصيا، خصوصا أن الروس، وعلى المستويات كافة، لا يزالون يرددون أن قرار من يحكم سوريا متروك للسوريين.
وصحيح أن هذه العبارة، أي "القرار للسوريين"، فضفاضة، إلا أنها تعني أن الروس يتركون خط رجعة، ومنفذا، لأي مبادرة قد يتم الاتفاق عليها حول سوريا، أما بالنسبة لبشار الأسد الآن فهو مجرد صورة على ورقة لعب، وليس بلاعب.
(عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)