نشر موقع "وور أون ذي روكس" تقريرا، الثلاثاء، للجنرال الأمريكي المتقاعد ديفيد بارنو، والباحثة في الجامعة الأمريكية بواشنطن نورا بنشهل، قالا فيه إن الرئيس الروسي فلادمير بوتين فاجأ المراقبين قبل ثلاثة أسابيع عندما حرك جيشه للتدخل مباشرة في الحرب الأهلية السورية.. "وكان هذا التحرك غير المتوقع هو أول مرة يقوم بها بوتين باستخدام القوة خارج النطاق – فهي أول مرة تستخدم فيها القوات الروسية خارج حدود الاتحاد السوفييتي السابق منذ انتهاء الحرب الباردة".
وأشار التقرير إلى أن بوتين صدم الغرب وحلفاءه، عندما نشر الطائرات الحربية والدبابات والمتطوعين الروس في قواعد في
سوريا بسرعة، "وأطلق غاراته القاتلة ضد معارضي الأسد خلال أيام. وخلال أسبوع واحد أطلق صواريخ الكروز من السفن الحربية في بحر قزوين ضد مواقع الثوار الأخرى – مع أن بعضها لم يصل إلى الهدف وسقط في إيران. ومنذ الأسبوع الماضي تقوم الطائرات الروسية بعدد من الطلعات كل يوم فوق سوريا- وبالمقارنة فإن التحالف الأمريكي لا يقوم إلا بعدد قليل من الطلعات ما أدهش السياسيين ومراقبي الكرملن في كل أنحاء العالم".
وأوضح تقرير الموقع الأمريكي أنه "لم تعد هذه الأفعال لروسيا مكانتها كقوة عظمى عالمية كما كان يأمل بوتين، إلا أن تحركه الشجاع لفت انتباه الناتو وعددا من القوى المؤثرة على مستوى
الشرق الأوسط وأبعد من ذلك. ومما لا شك فيه أن بوتين أعاد لروسيا مكانتها كصانع قرار سياسي في الشرق الأوسط. فالقيام بنشر القوات والطائرات بسرعة وبدء العمليات القتالية مباشرة بعد ذلك وإطلاق صواريخ كروز من مسافة بعيدة كلها صفات لاعب عسكري جاد وقادر".
ويرى الباحثان أن "دخول
روسيا إلى المعترك السوري ليس مجرد توسيع لمجال قوتها العسكرية إلا أنه يشكل إضافة قاتلة لخليط سريع الاشتعال في المنطقة. فهناك خطر كبير بأن تصطدم جهود أمريكا وروسيا وطائراتهم".
وقال الباحثان إن "أمريكا وروسيا تحاربان في حربين منفصلتين تماما ومتوازيتين في الشرق الأوسط اليوم. وفي كل منهما تتقاطع مناوراتهما العسكرية والدبلوماسية ولكن مصلحتيهما مختلفتان، وكل منهما له أهداف بعيدة عن الآخر. فروسيا تريد إبقاء الأسد في السلطة وتعزز من مكانتها الإقليمية وتبقي الإرهاب الإسلامي بعيدا عن حدودها، وتسعى أمريكا لهزيمة
تنظيم الدولة والحفاظ على دولة العراق وايجاد حل سياسي للحرب الأهلية السورية دون الأسد".
وأفادا بأن "الجهد الروسي في سوريا جهد واسع النطاق لأجل الحفاظ على ما تبقى من الدولة السورية ونظام الأسد. وأي أعداء يعارضون الشكل النهائي لتلك الدولة سيواجهون هجوما عسكريا روسيا. وسيواجه أكثر أعداء الأسد تهديدا لوجوده وطأة القوة العسكرية الروسية – ويبدو أن هذه القوى هي قوى الثوار الموالية لأمريكا وتحالف القوى الإسلامية المعروف بجيش الفتح الذي يتضمن جبهة النصرة. ويبدو أن اهتمام بوتين بتنظيم الدولة محصور في تهديد التنظيم للأسد وإمكانية مهاجمة التنظيم لبلاده وإعطاء عمليته مظهر العملية الدولية المشروعة".
وتابع التقرير بأنه "وبالمقارنة، فعملية الولايات المتحدة في سوريا والعراق تركز مبدئيا على تنظيم الدولة لإنقاذ جمهورية العراق المحفوفة بالمخاطر. ولكنها في سوريا كانت مترددة وخاصة في خلع الأسد. فلو بقي تنظيم الدولة في سوريا لما رأينا 3500 مدرب أمريكي يعودون للعراق بعد أن غادروها عام 2011. فقد نشرت إدارة أوباما تلك القوات بعد أن هزم تنظيم الدولة القوات العراقية واستولى على حوالي ثلث مساحة البلاد وبدأ بتهديد بغداد نفسها. ومع ذلك فإن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لم يحقق من ناحية عسكرية أكثر من الوصول إلى طريق مسدود. فبقي تنظيم الدولة فعالا ولم يتأثر من غارات طيران التحالف أو التدريب المركز للقوات العراقية".
وقال التقرير إن "بعض المراقبين اقترحوا تعاونا أمريكيا روسيا للقضاء على تنظيم الدولة. ولكن الخلل في هذا الطرح هو أن البلدين تحاربان حربين متوازيتين لا تلتقيان على أي شيء مشترك. وما دام التنظيم لا يهدد حكم الأسد في دمشق مثل أن يزحف غربا نحو الساحل فإن روسيا قد تستفيد من نجاح التنظيم. فنجاحه يعتبكر شوكة في خاصرة أمريكا، ففشل أمريكا وحلفها الكبير حتى في دحره وليس هزيمته يتسبب في تآكل قوة ونفوذ أمريكا في المنطقة مع كل يوم يمضي. وبوتين سيحرص على ألا ينظر أحد في المنطقة إلى التدخل الروسي على أنه ضعيف أو عاجز أو ما هو أقل من فعال وخطير. وستكسب روسيا المزيد من النفوذ كل يوم بينما تخسر أمريكا".
الحلف الروسي العراقي
وما يبعث على المزيد من القلق، بحسب الباحثين، هو أن "حلفا روسيا إيرانيا عراقيا سوريا آخذ في التكون وسيتحدى كل السياسات الأمريكية في المنطقة. ومثل هذا التحالف سيتسبب في زعزعة الاستقرار أبعد من حدود سوريا، وقد يكون له نتائج أكثر أهمية من مجرد دخول لاعبين جدد في الحرب على تنظيم الدولة".
وبغداد الآن تشارك المعلومات مع روسيا وإيران، ما يزعج صانعي السياسة الأمريكية. ورحبت الحكومة العراقية بالدعم الروسي ودعا بعض السياسيين العراقيين للمزيد من هذه المساعدات، ما يقلل أكثر من أهمية المساعدات العسكرية الأمريكية. فعلى الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين في بغداد الآن التنافس مع الإيرانيين والروس في التعامل مع الحكومة العراقية. ولا يمكن لأمريكا بحال من الأحوال التعامل مع رباعية روسيا وإيران والعراق وسوريا في الحرب على الإرهاب".
وقال التقرير إنه "وبحملتيها العسكرية والدبلوماسية تقف روسيا على أعتاب التأسيس لنفسها كصانعة للقرار السياسي في الشرق منافسة أمريكا في دورها الذي لعبته لفترة طويلة. وفي المحصلة، فإنها قد تجد نفسها متورطة في مستنقع كما يرى الرئيس أوباما. ولكن السلطة في الشرق الأوسط هي لعبة المجموع الصفري.. فمع تزايد النفوذ الروسي في المنطقة والوجود العسكري على الأرض فإن الثقة الإقليمية في النفوذ العسكري والدبلوماسي لأمريكا يبدأ بالتراجع".
وفي ختام التقرير، قال الباحثان إنه "ربما لا تتطور مناورات بوتين العسكرية في الشرق الأوسط إلى نفوذ سياسي وعسكري في المنطقة كالذي كان يحظى به الإتحاد السوفييتي في الستينيات والسبعينيات ولكن ولأول مرة منذ عقود، فإنه يجب على أمريكا أن تواجه حقيقة عودة روسيا وهي تستعرض عضلاتها العسكرية وتتمكن من الحصول على حلفاء في المنطقة، ما يعني تنافسا مع المصالح الأمريكية وخلافا مع الأهداف الأمريكية. واستخدام بوتين للقوة العسكرية في منطقة تحترم القوة هي تحد كبير للدور الأمريكي في الشرق الأوسط.. وهو تحد لا تستطيع أمريكا غض الطرف عنه".