كتب سرمد الطائي: عمودي السابق حول التصور السياسي لروسيا وإيران في معالجة مأزق
داعش، أثار تعليقات غاضبة ترفض مفهوم "الحل السياسي"، وهي تعكس نوع النقاشات الدائرة بين الجمهور.
والأخطر أن قطاعا واسعا من الساسة "المتفاوضين" يفكرون بالطريقة ذاتها.
قلت في العمود السابق إن النخبة الشيعية مطالبة بأن تطرح تقييمها الصريح للحاجة إلى الحلول السياسية الموازية لكل التضحيات العسكرية المشهودة في ساحة المعركة. لأن استمرار الغموض والتردد سيعني موت السياسة. وهو سيعني أن تضحيات شبابنا يمكن أن تتبخر كما تبخرت تضحيات جنودنا ومقاتلي الصحوة الذين كبحوا جماح الإرهاب في 2006 ثم عاد بقوة في 2013.
الاستدلالات المعترضة على كاتب السطور، كانت على قدم وساق، لإثبات أن ظهور العنف السني ليس ناتجا عن قمع سياسي. ولذلك يجب معالجتها بالعنف المضاد. أحد الأدلة: أن
السنة طائفة حاكمة في الكويت والسعودية، فلماذا يمارسون العنف ويفجرون الحسينيات الشيعية وهم غير مهمشين؟
وهل نشك في أن هذا عنف سياسي ديني خطير، شهده تاريخ الإسلام والمسيحية وغيرهما؟ وأن سياسات طهران وحزب الله تغذي هذا العنف؟
لكن لننتبه.. أولا: من قال إن للتطرف سببا واحدا هو التهميش أو العقيدة المذهبية أو غسل الأدمغة أو أي شيء آخر؟ لقد حاول خبراء من كل أنحاء العالم أن يفهموا عوامل ظهور التطرف الديني العنفي في الإسلام، سنة وشيعة، وخارج الإسلام.
ثانيا: في السعودية هناك طبقة أيديولوجية مقموعة، هي المتشددة على طريقة القاعدة، وهناك صراع بين الأجنحة، ومجتمع معقد كهذا يمكن أن يشهد مبررات كثيرة للكفاح المسلح الذي يعتبر الملك السعودي كافرا، ولكنه كفاح بنسخة دينية متشددة تشبه التيار الاجتماعي والديني الشائع.
ثالثا: ماذا تريدون أن تثبتوا؟ تريدون القول بأن السبب وراء العنف ليس القمع السياسي، لذلك فالمطلوب مزيد من القمع السياسي وتشكيل حكومة تطرد الأكراد، وتقوم بإخضاع المجتمع السني عبر جيش روسي، وتقوم كذلك بإخراس الصوت الشيعي الداعي للتصالح؟ من سيبقى حينها؟!
ولماذا نستغرب وجود شيعة يفكرون على هذا النحو؟ فهناك آلاف السنة يؤيدون قمع
الشيعة وتفجيرهم وتفخيخهم، ويمتدحون صدام حسين الذي هو رمز لنقص الحكمة.
ولذلك لسنا أمام جبهة حق وجبهة باطل، بل هناك طرفان شيعي وسني متورطان في خطيئة دموية عظمى، ويقتلان بعضهما.
وفي الأيام الأخيرة، كان هناك كثير من السنة "زعلانين" لأننا ننتقد صدام حسين. وكثير من المعلقين الشيعة كانوا غاضبين لأننا ننتقد
إيران. والمصيبة أن المعتدل السني أو الشيعي ليس مؤثرا في هذا المشهد، لذلك نحتاج حوارا قاسيا جدا، مع المجانين الشيعة والمجانين السنة، الذين تم وصفهم أعلاه، لأنهم مصدر المال والدم والحماسة
الطائفية التي تديم النزاع وتؤججه.
سأحاول في العمود المقبل مواصلة هذا السجال، الذي مفاده أن السنة هم مجرد داعش، وأن المطلوب القضاء عليهم، أو إخضاعهم. وهذا هو خلاصة الاستراتيجية الروسية الإيرانية اليوم، ويؤيدها اتجاه شيعي معارض لعقلانية النجف وحلفائها.
(عن صحيفة المدى
العراقية، تشرين الأول/ أكتوبر 2015)