حضرت الأربعاء الماضي بموسكو في الاجتماع الذي نظمته الجمعية الروسية للعلاقات الدولية، ومركز البحوث الإستراتيجية في وزارة الخارجية.
ومن حيث التوقيت الزمني فقد تم تنظييم هذه الفعاليات في الزمن المناسب حيث جاء بعد التدخل الروسي في سوريا وما يترتب عليه من تداعيات بين الدولتين الروسية والتركية من جهة العلاقات الاقتصادية والسياسية، وأهم أسس هذه العلاقة هو موضوع الطاقة.
وقبل الحديث عن ما تضمنه هذ الاجتماع من قضايا أريد أن أوضح ما يلي:
إن روسيا تبدي أهمية وعناية كبيرة لهذا النوع من الاجتماعات، ويظهر ذلك جليا في الحضور الذي كان على مستوى وزاري؛ حيث كان كل من مساعد وزير الخارجية ومساعد وزير الطاقة والتنمية من بين الحضور في هذا المؤتمر.
ولقد كان بقية الحضور مشكلا من عدد من الشخصيات؛ أهمها المختصين في شؤون الطاقة، وفي هذا الاجتماع الذي حضره أيضا عدد من الأكاديميين بالإضافة إلى مستشار وزير الخارجية التركي. وعدم حضور ممثل لوزير الخارجية التركي تعد نقطة نقص من الطرف التركي.
وقبل البحث في البيئة التي تم فيها بحث مواضيع الطاقة والاقتصاد التي شاركت فيها كمتحدث عن بلدي، فإن الضرورة الرئيسية التي فتحت الطريق لهذا الموضوع هي "حتى تكون صاحب كلمة في المنطقة عليك أن تمتلك قوة سياسية ودبلوماسية، وأن تسير في خطوات ثابتة".
ولهذا السبب وبالتخفيف من موضوع اختراق روسيا للساحة الجوية التركية ولامبالاة روسيا من هذا الموضوع، فإن مداخلة علي كمال ايدن مستشار وزير الخارجية التي أشار فيها إلى أخطاء روسيا في عدم احترامها للحدود الجوية التركية وما ترتب عليها من حقوق وتركيزه عليها بلهجة قوية، جعلني أشعر بالفخر لقوة دبلوماسيتنا وإظهارنا لقوة بلادنا.
العلاقات كانت بمؤشر الطاقة:
عند النظر في تاريخ العلاقات التركية - الروسية فإننا نجد تاريخا طويلا أمامنا، فبجانب موضوع الطاقة فقد كان هناك شراكة دائما في كل من مواضيع شراكة البحر الأسود، والسياحة، والاقتصاد، ولهذا السبب فإن العلاقات من جهة الطرف الروسي محكومة بشكل أساسي بموضوع "الطاقة".
ولكن بالنسبة لتركيا التي تعد دولة مرتبطة بموضوع الطاقة وضمن سعيها للحصول على تأمين لها من ناحية الطاقة وتقليص اعتمادها على 70% من الطاقة القادمة من الخارج. فإن مشاريعها الأولى في تاريخها للاستفادة من موقعها الجغرافي للاستفادة من مراكز الطاقة تقوم بازعاج روسيا التي تعمل على تجاهل عملها بهذه المشاريع، ومن الطرف الآخر تركيا لا تبدي أهمية كبيرة لحساسية روسيا لهذا الموضوع.
وآخر التطورات تظهر لنا أن روسيا لم تتبنى موضوع الطاقة التي تعمل تركيا على لعب دور مهم فيه لتحقيق أهدافها، وهذا يعني إنكار روسيا نوعا ما لسعي تركيا للحصول على الأمان في موضوع الطاقة.
بالإضافة لذلك، فإن روسيا تتخيل كون تركيا دولة لعبور أنبابيب النفط كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا، ولكن من الواضح بديهيا أن تركيا لن تكون مساوية لأوكرانيا في المرتبة ذاتها.
ماذا سيحدث في أنابيب النقل التركي ؟
وفي الفترة الأخيرة التي تلعب فيها كل من روسيا وتركيا الدور الأساسي في موضوع مشروع التيار التركي وبجانب دور الحيادية الذي بدأت روسيا تلعبه فإن مصير هذا المشروع أصبح أمرا مبهما.
بالإضافة إلى إنزال عدد الأنابيب لمشروع التيار التركي من أربعة خطوط إلى خطين، وإلغاء خطين منهما مما يعني تقليص المستوى السنوي من 63 مليار متر مكعب إلى 32 مليار متر مكعب يجعل المشروع يسلك طريقا سلبية.
بالإضافة إلى أن أحد الخطين من ضمن مشروع التيار التركي سوف يكمل طريقه إلى اليونان ومن هناك يتم وصله إلى دول البلقان، وبالتالي فإن جعل اليونان مركزا للمشروع بدلا من تركيا يظهر لنا جليا أفكار روسيا في جعل تركيا محطة لعبور الأنابيب وليس أكثر في موضوع الطاقة.
بالإضافة إلى عدم إيفاء روسيا بوعودها لتنفيذ الخصم الذي وعدت به يجعلنا نضع علامة استفهام أخرى على المشروع وحتى ينبغي علينا أن نسأل عن احتمالية كون عاقبة مشروع التيار التركي كعاقبة تيار الجنوب؟ نعم ينبغي طرح هذا السؤال بشكل صريح.
والواقع أن وجود روسيا وتركيا في منطقة تتقاطع فيها مصالح ودول كثير وبدل من استخدام هذه الميزة في مشروع كمشروع التيار التركي، وقيام روسيا بحملات لدفع تركيا إلى خارج معادلة الطاقة، سوف يعمل على ايقاف مصالح البلدين معا.
بالإضافة إلى استخدام دول "الطاقة" لجوكر الطاقة التي تملكه سوف يعمل على تغيير مراكز القوة في المنطقة وتهديد مصالح البلدين .. علينا أن لا ننسى ذلك.
(عن يني شفق - ترجمة وتحرير تركيا بوست)