تبعية الطاقة التركية والعلاقات مع روسيا

تمر تركيا في هذه الأيام بأزمة سياسية واجتماعية حقيقية. وتشهد كل يوم اضطرابات مختلفة بسبب المجازفات التي تم الإقدام عليها بما يخص موضوع سوريا على وجه الخصوص.

من جهة، هناك الكلفة الاجتماعية والاقتصادية الهائلة (ما يقارب الـ 7 مليار دولار) التي تحملتها تركيا بدخول الملايين من اللاجئين الهاربين من الحرب الأهلية في داخل سوريا، ومن جهة أخرى، هناك المواجهات التي انجرت إليها تركيا مع دول ومجموعات مختلفة.

وثالثا هناك، اختراق الطائرات الروسية للمجال الجوي التركي واستفزاز سلاح طيران تركيا، والتوتر المتبادل بين البلدين. فهناك إذن حاجة ملحة لإعادة وضع العلاقات مع روسيا على الطاولة مجددا.

فمن المعلوم أنه لا بديل عن الطاقة التي لا بد من استخدامها في مجالات الصناعة والتجارة وحتى الحياة العادية. وفي الوقت ذاته فالطاقة من حقوق الإنسان الأساسية.

نستطيع القول بأن هناك علاقة وطيدة بين الطاقة ومستوى التقدم؛ لذلك، فتركيا، باعتبارها دولة في مرحلة التطور، فإن الطلب على الطاقة عندها، وإنتاجها يزيد بسرعة كبيرة. فمثلا، في عام 1985 كانت كمية الطاقة المنتَجة تُقدر بـ 34.219 (جيغا واط)، ليرتفع هذا الرقم إلى 240154 (جيغا واط) مع نهاية عام 2013.

وسبب الحروب الباردة والساخنة التي نعيش بداياتها اليوم، تتظافر الجهود عالميا لحيازة أكبر كمية من مصادر الطاقة أو السيطرة عليها. فينبغي النظر إلى المواجهات التي تجري في أقاليم العالم المختلفة وعلى الرأس منها الشرق الأوسط من هذه الزاوية.

روسيا تعد الدولة الأكثر تصديرا لتركيا (25 مليار- حسب إحصائيات عام 2014). وفي المقابل، فإن روسيا تستورد من تركيا ما قيمتها 5.9 مليار دولار فقط. أي أن عجز التجارة الخارجية التركية 20 مليار دولار فقط لروسيا.

فالاعتداء السافر باختراق مجالنا الجوي من قِبَل دولة مثل روسيا تربطنا معها هذه العلاقة التجارية المرتفعة جدا، لا يمكن أن يكون مقبولا لا اقتصاديا ولا سياسيا أو حتى بحكم علاقات الجيرة.

تركيا كانت قد استوردت في عام 2014 ما قيمته 54 مليار من المواد الخامة لإنتاج الطاقة. جزء كبير منها كان الغاز الطبيعي الأتي من روسيا. قيمة إيرادات الطاقة من قيمة الإيرادات العامة التي تصل إلى 25% يعد مقياسا على مدى التبعية للخارج في موضوع الطاقة.

في عام 1985، كانت الكهرباء تُنتج من 43.9% فحم، و35.2% كانت تولَّد من محطات الطاقة الكهرومائية. للتتراجع هذه القيم في عام 2013 إلى 26.5 فحم و 24.7% من المحطات الكهرومائية. ففي حين أن معدل المواد الخام المحلية التي كانت تُستخدم في إنتاج الكهرباء لعام 1990 كانت 48%، انخفض في عام 2013 ليصل إلى 28.5%.
في النصف الثاني من التسعينيات، تم الانتقال إلى الغاز الطبيعي كمادة خام أساسية لتوليد الكهرباء بسبب قلة تكلفته، والاستخدام الفردي المنخفض له، وصداقته للبيئة. لكن حقيقة عدم وجود الغاز الطبيعي في بلدنا والاضطرار إلى استيراده تم إخفاؤها عن الرأي العام.

في حين أن نسبة استخدام الغاز الطبيعي في توليد الطاقة في عام 1985 لم تصل حتى إلى 1% ، قفزت حتى عام 2013 لتصل 43.8%. خاصة بعد عام 1999 وبسبب تأييد نماذج البناء-التشغيل، شهدت كمية الطاقة المولدة من الغاز الطبيعي ارتفاعا سريعا.

في عام 2014 تم استيراد ما مجموعه 49 مليار متر مكعب، 54.76% منها كان من روسيا و18% من إيران. يعني مجموع حصتي روسيا وإيران تمثل إلى 73% من إيرادات الغاز الطبيعي لتركيا.

48% من الغاز المستورد كان لتوليد الكهرباء، 25% يُستخدم في قطاع الصناعة، 19% للاستخدام الفردي في المساكن و6% منه يُستخدم في قطاع الخدمات.

عندما تننتهي الـ (26.3 ميغا واط) المرخص بها لمحطات توليد الكهرباء عن طريق الغاز الطبيعي، ستم رفع السعة المسموح بها إلى 47.6 (ميجا واط). هذه السعة ستستوجب ارتفاعا في الحاجة للغاز الطبيعي بمقدار 15-16 مليار متر مكعب.

أي أن احتياجات المشاريع الحائزة على تصاريح لتنفيذها للغاز سترتفع أيضا.

سيبدأ ضخ الغاز في "خط أنابيب الأناضول" القادم من أذربيجان في عام 2018 وسيصل تركيا عبره 6 مليارات متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي. لتستمر الضبابية بما يخص خطوط الأنابيب الأخرى القادمة من مصر والعراق وتركمانستان.

ما يعني أنه ليس هناك أي عمليات نقل للغاز الطبيعي إلى تركيا في الوقت القريب بإستثناء خط أنانيب أذربيجان.

ما الأشياء التي يجب فعلها؟

ينبغي أن تكون سياسة الدولة الأساسية تقديم طاقة رخيصة، صديقة للبيئة، آمنة، دائمة، ذات جودة عالية وبالقدر الكافي للمواطنين.

يجب عدم إظهار تركيا بمظهر المحتاج للغاز الروسي عن طريق إيجاد بدائل فعالة وحقيقية. ويجب العمل على إيجاد مساومات تجلب التوازن للعلاقات التجارية الروسية التركية، وإعادة التفكير بتسليم مشروع محطة الطاقة النووية في مرسين-اك كويو للروس.

يجب أن تكون هناك استثمارات جديدة تحرر إنتاج الطاقة من اعتماده على الغاز الطبيعي والفحم، يجب التفكير وتطبيق خطط (قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل) تحرر تركيا من التبعية للخارج، خطط تأخذ بعين الاعتبار تقديرات واقعية للعرض والطلب.

يجب تطوير إستراتيجيات تهدف لتقليل حصة الوقود الأحفوري، كالفحم والبترول والغاز الطبيعي، في إنتاج الطاقة. وإستراتيجيات تسعى لدراسة مدى فاعلية المصادر الصديقة للبيئة، كالرياح والشمس والوقود الحيوي والطاقة الهدرومائية وطاقة الأرض الحرارية، وإدخالها إلى طور الاستخدام .