كشف الفنان
المصري وجدي العربي عن تفاصيل رفضه لعرض قدمته له جهات سيادية تابعة لجهازي أمن الدولة والمخابرات العامة للتراجع والتنازل عن مواقفه الرافضة لحكم
العسكر والمؤيدة للشرعية.
وقال في حوار خاص لـ"
عربي21": "طُلب مني بشكل مباشر وصريح دعم مسار 30 يونيو، عقب فض اعتصام رابعة، وفي المقابل سيُرفع عني كل التضييقات، وسيسمح لي بالعمل دون أي قيود، لكني رفضت بشدّة هذه الخيانة".
كما كشف العربي خلال الحوار عن جهود وتحركات لعمل مسرحي عربي بمشاركة شخص أو اثنين من كل دولة عربية، حتى يصبح لديهم مسرح عربي مشترك، مضيفا:" لدينا النصوص الجاهزة، وهذا يساهم كثيرا في إنجاز تلك الأعمال إذا ما توفرت لنا الإرادة والإمكانيات"، متمنيا تقديم أعمال تؤرخ لفترة ثورة يناير وما بعدها وحتى فض رابعة.
"عربي21": بداية.. أين الفنان وجدي العربي الآن؟
"العربي": "أمارس حياتي بشكل طبيعي، ومنذ اعتصام رابعة لم أقدم إلا عملا فنيا واحدا هو أوبريت "رابعة.. كانت إشارة" في تركيا منذ أقل من عامين، وهو عمل فني سياسي مسرحي".
"عربي21": كيف تنظر حاليا للأيام التي ساندت فيها الرئيس
مرسي ومشاركتك في اعتصام رابعة؟ وهل أنت نادم على تلك المواقف؟
"العربي": لم ولن أندم على الإطلاق، وهذا ليس له أي علاقة بتيار معين، بل نابع عن قناعات شخصية، بل أكثر من ذلك، فقضاء شهر رمضان برابعة كان من أفضل الأشهر التي قضيتها في حياتي، حيث كان الإخلاص والوقوف على قلب رجل واحد خلف قضية عادلة.
"عربي21": كيف تنظر لاستخدام البعض للفن في الترسيخ للفرقة والانقسامات بعدما وجدنا البعض يتغنى (إحنا شعب وهم شعب.. وتسلم الأيادي)؟
"العربي": لقد صدقوا وهم كاذبون، نعم "هم شعب وإحنا شعب"، فقد أنزل الله على قلوبهم غشاوة، بعدما غنوا ورقصوا وصفقوا لمن قتل أبناء وطنهم بدم بارد.
"عربي21": كيف تنظر لعلاقة العسكر بالفن منذ عهد جمال عبد الناصر وحتى الآن؟
"العربي": العسكر يستخدمون
الفن سلعة رخيصة يسخرونها لأنفسهم وللترويج لهم، وهذا أصبح متعارفا عليه بالنسبة للجميع منذ عهد صلاح نصر، رئيس جهاز المخابرات في عهد جمال عبد الناصر، وحتى الآن.
"عربي21": السيسي عادة ما يصطحب فنانات ومطربين وإعلاميين خلال زياراته الخارجية.. ما دلالة هذا الأمر برأيك؟
"العربي": هذا ليس له إلا دلالة واحدة، وهي أن الجماهير العربية في الدول الغربية التي يقوم السيسي بزيارتها تريد مشاهدة الفنانات والفنانين، وبالتالي يظن البعض أن هذا إجماع على تأييد قائد الانقلاب فيما قام به، والحقيقة غير ذلك، والمجتمع الغربي يفهم كل هذا ويعيه جيدا، وللأسف نحن لا ندرك ذلك.
"عربي21": كيف تقارن بين مواقف الرئيس مرسي والسيسي من الفن؟
"العربي": لا توجد أي مقارنة على الإطلاق، فحينما التقى الدكتور مرسي بأهل الفن قال نصا: "هاكم الساحة.. أبدعوا"، لكن للأسف بعض الفنانين والفنانات لم يستهوهم هذا الرأي، لأنهم فهموا من حديث "مرسي" أن الذي يريده هو الإبداع من خلال القيمة التي يمكن أن يقدموها للمشاهد، وهذا ما يرفضونه شكلا وموضوعا، والذي يدعو إليه قائد الانقلاب ليس هو ذاك الإبداع الذي طالب به الدكتور مرسي الفنانين.
"عربي21": هل كل الفنانين مؤيدون للانقلاب وداعمون له؟
"العربي": السواد الأعظم من الفنانين والفنانات داعمون للانقلاب، حتى وإن لم يكونوا مؤيدون بشكل صريح، فهم بلا شك مضطرون لذلك، وهذا أرحم من الخضوع للقهر والمذلة، وهناك بعض الفنانين رافضون للعسكر، لكن نسبتهم قليلة جدا لا تتجاوز 5%.
"عربي21": ما هي أسباب تأييدهم للعسكر؟
"العربي": هم يعلمون علم اليقين أن منهجنا ومنهج غالبية الشعب المصري يرفض الابتذال الرخيص وأفلام غرف النوم، وهذا ما يرفضونه، ورؤوس أموال الفسدة من المنتجين الذين أفسدوا عقول شبابنا ولا يزالون متواجدين على الساحة هو أبسط دليل على ذلك.
"عربي21": هل يمكن القول بأن هناك عسكرة للفن؟
"العربي": ليس للفن فقط، بل لكل المجالات والقطاعات، وبكل أسف، العسكر يسيطر ويحرك ويدير الفن، وكأنه "عرائس ماريونيت".
"عربي21": ما هي خطورة ذلك على الفن؟
"العربي": الفن يعني الإبداع والرؤية الثاقبة والكلمة الصارخة التي تساعد في بناء الحضارات والأمم، لكن الفن الذي يريده العسكر هو تكميم للأفواه وقهر واعتقال، بل وقتل وتنكيل بكل من يقول كلمة "لا"، وهذه الممارسات هي أول عدو للفن، بل تضربه في مقتل، وتهدم رسالته.
"عربي21": كيف تنظر لموقف التيار الإسلامي وخاصة جماعة
الإخوان من الفن؟
"العربي": الفن كما قال الشيخ الشعراوي –رحمه الله- حلاله حلال وحرامه حرام، والقلم الذي في يديك وفي جيبك تستطيع أن تكتب به عملا راقيا يخدم المجتمع وفي الوقت ذاته تستيطيع أن تكتب به عملا رديئا يهدم المجتمع.
وجماعة الإخوان المسلمين هم أول من عرفوا للفن قيمة في مصر، وهناك العديد من الممثلين كانوا ينتمون لجماعة الإخوان وقد رحلوا عنا، حتى أنني قمت ببطولة ثلاث مسرحيات في خمس عشرة سنة الأخيرة، وهي "اصحوا يا بشر"، و"فيتنام 2" و"الشفرة"، كان منتجها ومؤلفها شخص من تربية الإخوان المسلمين، لذلك هم يقدرون قيمة ومعنى الفن الهادف، وليسوا ضد أي شيء إطلاقا طالما كان في إطار القيم والمبادئ.
لكن فكرة وجود فن بلا سقف وبلا حدود أمر مرفوض ولا نقبله في بلادنا العربية والإسلامية، ويجرنا إلى فن بلا أسس وبلا قيم وبلا ضمير.
"عربي21": اسمك (وجدي العربي) كان من ضمن أفراد قضية التخابر مع قطر المتهم فيها الرئيس مرسي.. ما تعقيبكم؟
"العربي": أنا انتظر تعقيبا ممن اتهمني هذا الاتهام الذي هو مضحك في الحقيقة، فلا أدري معنى التخابر مع دولة مثل قطر يعمل فيها العديد من المصريين، ولا أدري إذا كنت متخابرا مع قطر وأمريكا أم حماس وإسرائيل، وللأسف البعض يصدق مثل هذه الأشياء العبثية وغير المنطقية، لكن الظلم لا يدوم.
"عربي21": كيف استقبلت تحفظ لجنة حصر أموال الإخوان على أملاك شقيقتك (كاميليا)؟
"العربي": هذا تصرف لم يعد غريبا أو عجيبا، فليس بعد الكفر ذنب، وهل هناك أشد من الاعتقال والمطاردة والتشريد ثم القتل بدم بارد؟ أقول إن شقيقتي الحاجة كاميليا ليست لها أي علاقة بالإخوان من قريب أو بعيد، بل أذهب إلى أبعد من ذلك، إنها ليس لها أي علاقة بأي أحزاب أو جماعات أخرى، هي فقط مسلمة تعمل في خدمة الأطفال والعمل الاجتماعي.
"عربي21": الفنان سامي العدل قال إنك أصبحت "حاجة وحشة" في حق الفنانين، وإنك لم تكن أبدا بهذه الصورة بعدما تحولت بطريقة غريبة.. ما ردكم؟
"العربي": لم أرد عليه وهو حي يرزق، أفأرد عليه وهو بين يدي الرحمن؟!. كنت أتمنى من الذين يقولون باستنكار شديد: "وجدي العربي مكنش كدا.. إيه اللي غيره"، أن يقولوا: "وجدي العربي كان فاسد.. سبحان من أبدله".. ونسأل الله الهداية للجميع.
"عربي21": هل عُرض عليك بشكل ما أو بآخر أن تتراجع عن مواقفك وتتنازل عنها؟
"العربي": بالفعل، فقد طُلب مني هذا بشكل مباشر وصريح، ولم يكن المطلوب سوى أن أقول -من خلال تسجيل فيديو- إنني كنت مؤيدا للشرعية، إلا أن البلاد الآن تسير نحو منعطف خطير فيه مخاطر جمة، وعلينا التكاتف ودعم مسار 30 يونيو، وفي المقابل سيُرفع عني كل التضييقات، وسيسمح لي بالعمل دون أي قيود.
"عربي21": ومتى تحديدا طلب منك ذلك وقُدم لك هذا العرض؟
"العربي": خلال 15 يوما التي أعقبت فض اعتصام رابعة، وهي تلك الفترة التي ظهرت فيها تسجيلات لـ سالم عبد الجليل وعمرو خالد تحرض جنود الجيش على قتل المتظاهرين السلميين.
"عربي21": ومن هي تلك الجهات التي طلبت منك ذلك؟
"العربي" : جهات سيادية تابعة لأمن الدولة والمخابرات العامة.
"عربي21": لكن لماذا لم توافق على هذا العرض وفق قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"؟
"العربي": ماذا يفيد لو كسبت العالم كله وخسرت نفسك.
"عربي21": ماذا تقصد؟
"العربي": أقصد أن العالم كله لو نظر إليك ومجّدك وأثنى على فعلتك، لكنك تشعر في قرارة نفسك أنك تخليت عن قيمك ومبادئك، وذلك الشرف الذي كنت تتحدث عنه، بعدما جلست 48 يوما في ميدان رابعة مع أفضل شباب مصر وأشرف نسائها وبناتها وأطفالها وشيوخها، يحث بعضنا بعضا على الاستمساك بالشرعية، وبأصواتنا التي نزلنا بها الانتخابات، وقد شعرنا أنها سُلبت منا، فكيف تتنازل عن كل هذا بتلك السهولة، فبالتأكيد هذا أمر غير مقبول، ولا يمكن أن أوافق على هذه الخيانة مطلقا.
"عربي21": وكيف ترى مواقف من قبلوا ذلك؟
"العربي": هؤلاء سوف يقتص منهم الله بقدرته ومشيئته، وحقيقة.. مواقف البعض صدمتني صدمة غربية على مستوى الأهل والشيوخ والجيران والأصدقاء حتى أهل المسجد.
"عربي21": ما حقيقة انتمائك للإخوان؟
"العربي": هذا شرف لا أدعيه، فالانتماء لجماعة الإخوان شرف وأي شرف، لكني لا أنتمي لأي جماعة إسلامية مطلقا، وتعلمت الدين على أيدي بعض المشايخ الذين أصبحوا فيما بعد "شيوخ السلطة"، فقد خذلوني وخذلوا من وثقوا فيهم يوما ما، بل أكثر من ذلك خذلوا أنفسهم، والإخوان هم الإخوان منذ أكثر من 80 عاما وحتى اليوم، فكفاحهم يثمر، وخدماتهم ومواقفهم هي التي تتحدث عنهم.
"عربي21": هل لو عادت بك الأيام لاتخذت المواقف ذاتها دون تغيير؟
"العربي": أكيد، ولن أندم على تكرار التجربة ذاتها، وما أروع أن تقول دائما: "هي لله.. هي لله".
"عربي21": ما الذي ينبغي عليك فعله وعلى بقية الفنانين المؤمنين بالثورة والحرية لإسقاط هذا الانقلاب؟
"العربي": مما لا شك فيه أن الجميع عليهم دور وواجب.. كل قدر استطاعته ووفق إمكانياته وقدراته، وعلينا أن نلتمس العذر لهؤلاء الذين كمُّمت أفواههم لكنهم رافضون لحكم العسكر، وأقول القولة الشهيرة :" إن لم تستطع أن تنصر الحق، فلا تصفق للباطل".
"عربي21": ما هي أسباب التحول في شخصية الفنان وجدي العربي؟
"العربي": هذه منة وكرم من الله -عز وجل- وليس لشخصي أو لأي أحد فضل عليّ.. هو الله (سبحانه وتعالي).
"عربي21": هل هناك أعمال تعكف عليها حاليا أو نشاطات في المستقبل؟
"العربي": أتمنى تقديم أعمال تؤرخ لفترة ثورة يناير وما بعدها وحتى فض اعتصام رابعة، وهناك جهود وتحركات -قد تكون بخطوات بطيئة- لعمل مسرحي عربي بمشاركة شخص أو اثنين من كل دولة عربية، حتى يصبح لدينا في النهاية مسرح عربي مشترك، ولدينا النصوص الجاهزة، وهذا يساهم كثيرا في إنجاز تلك الأعمال، إذا ما توفرت لنا الإرادة والإمكانيات.
"عربي21": برأيك.. ما هو مستقبل الفن في ظل حكم العسكر؟
"العربي": لا مستقبل على الإطلاق لا للفن ولا لأي مجال آخر تحت حكم العسكر، الدول تتقدم باتجاه العسكر لحماية الوطن وحدوده، وهناك من يستطيع أن يخطط ويعمل للنهوض بالبلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفنيا.
وها نحن نرى الأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ ومن خسارة إلى خسارة أكبر، ومن عهود ووعود إلى خذلان ونقوض، وما يحدث الآن هو محو هوية المواطن المصري، ويسعى الانقلابيون لتدمير كل هذه القيم والمبادئ، وهو ما نراه من تغيير في مناهج المدارس، التي تعدّ أول طريق لتثبيت العقيدة وتوثيق الوطنية في قلوب أبنائنا.