كتاب عربي 21

الدولة المزورة

1300x600
كما تكونوا يولى عليكم..!! 

هذا نص منسوب للنبي، علماء السند يقولون إنه ضعيف، ويتصورون أن التاريخ يُكذب متنه، لا تعليق عندي على السند، فهو ليس فني على كل حال، إلا أنني أعتقد بأن التاريخ لم يُكذب المتن كما تراءى لبعضهم!

أحاول أن أفهم هذا "السطر" أيا كان مصدره على ضوء تجربة صعود الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، فأجد أن "كما تكونوا" عائدة على "من أتى به" لا على "الناس" في مجموعهم، ليس شرطا أن يكون المقصود بأن الحاكم هو الجزاء الذي يستحقه "مجمل الناس" على "مجمل أحوالهم"، كما أنه ليس من الضروري أن يكون المقصود بـ"الحال" هو حالهم مع الله، أي أمر دينهم.

ما أفهمه من الحديث هو أن الحاكم صورة من "كينونة" من أتوا به، صحت نسبته إلى النبي أم لم تصح، فإذا لم يكن الحديث صحيحا، ضعيفا أو موضوعا، فعلينا أن نتذكر أن "الموضوعات" لم تكن دائما نتاج "عبث" الرواة، وأن بعضها فرضته استجابات للواقع الضاغط على أصحابها، استجابات دينية، مثل الأحاديث التي اختلقها أصحابها في فضائل بعض السور، ظنا منهم أنهم بذلك يعالجون انصراف الناس عن القرآن واتخاذهم إياه مهجورا، واستجابات سياسية، منها نصوص اختلقت  لدعم "بني أمية" وأخرى اختلقت لمقاومتهم!!

لماذا لا يكون الحديث في أفق توقع "وضعه"، محاولة  لقدسنة رأي سياسي هو الأقرب إلى واقع الحدث؟!

هنا، نعود إلى فكرة مشابهة، الحاكم في الأغلب لمن أتوا به، إيجابا وسلبا، فترى عمر بن الخطاب، شخصيته، وعصره، تعبير عن "كينونة" أبي بكر الذي جاء بعمر، وترى في "عثمان" صورة من تفاعل آراء اللجنة السداسية التي اختارته، وتوجهاتها وتوازناتها، وترى في "علي" وسياساته وعصره صورة من اختيارات الناس القلقة بعد اغتيال عثمان، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، وهكذا.

هنا، يبدو "السيسي" الشخص، والأداء، والانحيازات، صورة من تحالف 30/6، و3/7، ومآلاته، يتامى دولة مبارك، ومؤسسة عسكرية جريحة بعد ثورة شعبية أفقدتها توازنها وأجبرتها على التضحية برأسها، إنقاذا لبقية الرؤوس، وأوقفتها موقف المحتوي، الممالئ، الذي يحني رأسه للريح إلى أن تمر، وهو موقف جديد عليها، أورثها الكثير من الحنق، تجاه هؤلاء الذين أجبرونا على الانحناء، ونحن من ينحني لنا الجميع، هذه هي التركيبة النفسية لعساكر مبارك، وهؤلاء هم المقصود بـ"من أتى" بالجنرال، يشاركهم جوقة من الطبالين والمهللين الذين يمشون في ركاب أي حاكم نظير مكاسبهم، الذين صدر عن أغلبهم محاولات بائسة للالتصاق بالإخوان في فترة حكمهم، ومنهم مرتضى منصور مثلا، الذي تواترت الأخبار لدى كثير من الأصدقاء بتكرر الطلب الملح إليهم لكي يذكروه عند "مرسي"!!!

والحاصل، أن السيسي ليس صورة لشعبه، ولكن لمن تسببوا بشكل مباشر من شعبه في مجيئه، واعتلائه للمصريين، إذ إنه من العبث الاعتقاد بأن الحاكم العسكري جاء بثورة شعبية، وهي التي أثبتت كل التسريبات وقائع صناعتها في معامل الدولة، وتمويلها الخليجي، إعلاما، وإنفاقا، واستئجارا لبلطجية، ولحركات تبدو ثورية، وتغطية بقرارات، وبيانات، قبل أن ينفض الناس عنها، كما أن العبث يصل إلى منتهاه حين يدعي أحدهم أن السيسي جاء هو الآخر بانتخابات، وهي التي أثبتت وقائع التمديد لليوم الثالث تزويرها بشكل فج لم يراع فيه المزورون فراغ الشوارع ليومين متتالين من أي "صريخ بن يومين"، ليعلنوا على الناس أنه في مساء اليوم الثالث انتفض المواطنون من مراقدهم ونزلوا بالملايين لينتخبوا وزير دفاع مرسي بنسبة فاقت الـ98 بالمئة، ثم عادوا من فورهم قبل أن يلحظهم أحد!!

هذا الجنون، وهذه الصلافة في التزوير، وهذا الاستهتار بكل شيء مقابل قوة الآلة العسكرية، هي صورة لعصر يريدونه ممتدا، صورة للسيسي، ممتدة من صورة من أتوا به، وهم على اختلافهم مجموعة من المزورين، بفتح الواو وكسرها، استئساد مزور، وطنية مزورة، ثورة مزورة، جوقة مزورة، والنتيجة: دولة مزورة، لا دولة، ولا قانون، ولا دستور، وقواعد للعبة، لا جيش لدولة، ولا شرطة لمواطنين، ولا هدف لحكومة، ولا مشروع لسلطة، لا شيء ألبسناه ثوب "الشيء" أمام الكاميرا وعرضناه على الناس بوصفه واقعا، لنصطدم بهم ومعهم كل يوم ببؤس الفراغ والعدم!!

هنا، ربما يكون من المناسب أن نقول إن "مرسي" بدوره، كان يشبه كل من أتوا به، وتسببوا في تصدره، يشبهنا، يشبه ثورتنا غير المكتملة، أيادينا المرتعشة في محاكمة مبارك ورجاله محاكمات ثورية صارمة، وحاسمة، تصفي جيوب دولة الفساد قبل البدء في تأسيس دولة جديدة.

مرسي يشبهنا، يشبه عجرفتنا وإحساسنا بنقائنا وطهارتنا الثورية التي لا يأتيها الباطل من بين البوستات أو من خلف التويت، مرسي يشبه تفكيرنا الغيبي في ثورة ستنتصر "وحدها كده"، وفي جيل أفضل من كل ما سبقوه، من غير أمارة سوى ثورة صنعناها مثل الرجل، ثم بكينا على تضييعها مثل الولايا.. مرسي يشبهنا؛ لأنه هو الآخر لم يكن يعرف بالضبط: ماذا يريد، وكيف؟!! يمكننا الآن أن نعي ما ينبغي أن "نكون" عليه لكي يأتي المستقبل بما نرجو ونتمنى.

للتواصل مع الكاتب عبر موقع "فيسبوك":

https://www.facebook.com/mohamed.t.radwan