نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" تقريرا للكاتبة كارول وليامز، تقول فيه إن الثورات التي قامت في أوائل عام 2011، وحظيت بالعناوين الرئيسة، وعدت "بربيع عربي" يعد بفجر جديد للديمقراطية في منطقة لها تاريخ ديكتاتوري.
وتستدرك الكاتبة بأن "النتيجة الحقيقية في كثير من الحالات كانت العكس تماما: موجة من العنف والقمع والحرب الأهلية. ولكن
تونس كانت استثناء بارزا حيث أدى تسليم الحكم سلميا من الإسلاميين وتبني دستور ديمقراطي إلى الاعتراف بجهود أربع مؤسسات مجتمع مدني، عملت على تحقيق حوار سياسي سلمي بمنحها جائزة نوبل للسلام".
وتشير الصحيفة إلى أنه في كانون الأول/ ديسمبر 2010، قام البائع المتجول محمد البوعزيزي بحرق نفسه؛ احتجاجا على الظلم الذي يعيشه التونسيون. وسلطت وفاته الضوء على قلة الفرص المتوفرة للشباب في البلد الذي حكمه الديكتاتور زين العابدين بن علي لمدة 23 عاما. وأشعلت وفاة البوعزيزي شهرا من المظاهرات، التي اضطرت ابن علي وزوجته ومعظم حاشيته إلى الهروب للخارج، وتمت محاكمة ابن علي غيابيا في قضايا اختلاس وقضايا أخرى في حزيران/ يونيو 2011، وحكم عليه بالسجن 35 عاما.
ويذكر التقرير أنه لا يزال 15% من التونسيين على الأقل يعانون من البطالة. كما أن البلاد تعاني من عنف المتطرفين الإسلاميين، الذين يصرون على إفشال أي تحول سياسي سلمي وشامل في دول
الربيع العربي. مشيرا إلى أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية أنتجت العام الماضي تحالفا علمانيا إسلاميا تعاون فيه الإسلاميون، خلافا لغيرها من بلدان المنطقة، في تقوية التعددية والتطور للبناء على إنجازات
الثورة.
وتلفت وليامز إلى أنه في
مصر قامت مظاهرات في ميدان التحرير في أواخر شتاء وأوائل ربيع 2011، وأبرزت الوجه الشجاع للشباب المصري، الذي انطلق إلى الميادين للمطالبة بإنهاء 30 سنة من حكم حسني مبارك، الذي اضطر فعلا للتنحي بعد أسابيع من المظاهرات العارمة في شباط/ فبراير 2011. وحل مكانه في المرحلة الانتقالية المجلس العسكري، تبعه انتخاب محمد مرسي عام 2012. ثم قام مؤيدو نظام مبارك والعلمانيون المصريون بمظاهرات ضده. وأدت الاضطرابات المستمرة والأعمال الإرهابية إلى تدمير السياحة الضرورية لاقتصاد مصر، وقادت إلى الانقلاب الذي قام به الجنرال عبد الفتاح السيسي عام 2013.
وتبين الصحيفة أن مبارك (87 عاما) مسجون في مستشفى، ويواجه احتمال المحاكمة الثالثة بتهم الفساد والقتل. كما أن مرسي يرزح بالسجن، منتظرا نتيجة استئنافه ضد حكم الإعدام بتهمة التخطيط للهروب من السجن عام 2011، حيث فرّ من السجون 20 ألف محكوم، كثير منهم من الإخوان المسلمين، الذين ساعدوا في إشعال الاحتجاجات التي أطاحت بمبارك. وفاز السيسي بالانتخابات الرئاسية في أيار/ مايو 2014، ولكن حكومته أجلت الانتخابات التشريعية في أكثر البلدان العربية تعدادا للسكان، ولا تزال تعصف بالاضطرابات وعدم الرضا عن نتائج الثورة.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بإن الناس في ليبيا تشجعوا عندما رأوا كيف أطيح بديكتاتوريين حكموا طويلا، فقام الليبيون من خلفيات سياسية وطائفية مختلفة بالثورة ضد ديكتاتورية معمر القذافي في أوائل 2011. ودعمهم حلف الأطلسي بحملة جوية دامت سبعة أشهر، وقام الثوار بالقبض على القذافي وقتله في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، منهين بذلك 42 عاما من سيطرته على ذلك البلد الشمال أفريقي الغني بالنفط.
وتستدرك الكاتبة بأنه مع سقوط القذافي بدأ صراع على السلطة في هذا البلد، الذي فيه ستة ملايين نسمة، لا يزال قائما حتى اليوم. وفشلت الحكومتان المتنافستان في طرابلس وبنغازي في إعادة الاستقرار، جاعلتين ليبيا أرضا خصبة لجذب الأعضاء الجدد لتنظيم الدولة وغيره من المجموعات المتطرفة. مشيرة إلى أنه في مثل هذا الجو من الفلتان نشط مهربو البشر، حتى أصبحت موانئ ليبيا محور عمليات تهريب اللاجئين السوريين.
وتنوه الصحيفة إلى أن المطالبة بمشاركة أكبر في الحكم امتدت من شمال أفريقيا إلى جزيرة البحرين الصغيرة في الخليج في شهر شباط/ فبراير 2011، حيث شارك مئات المتظاهرين، معظمهم من الشيعة الذين احتجوا على القيود السياسية والاجتماعية التي يفرضها النظام الملكي السني. وردت شرطة الشغب بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، وقتل ما لا يقل عن 50 متظاهرا، قبل أن تجرم مظاهرات المعارضة في 2012، وتم الأخذ ببعض الإصلاحات القليلة.
ويجد التقرير أنه مع أن واشنطن كانت مؤيدة لمعظم ثورات الربيع العربي، إلا أنها لم تفعل شيئا، خاصة فيما يتعلق بمطالب المحتجين بإطلاق سراح السجناء السياسيين، والتحقيق في تهم الفساد والتعذيب، ومن الواضح أن الموقف الأمريكي هذا يأتي من منطلق الحرص على مشاعر عائلة خليفة الحاكمة، التي استضافت الأسطول الأمريكي الخامس لعقود.
وتورد وليامز أنه في اليمن أدى الفقر والفساد واللامبالاة إلى حالة من المعاناة خلال فترة حكم الرئيس علي عبدالله صالح، التي امتدت 33 عاما، ما شجع اليمنيين على أن ينضموا لثورات الربيع العربي في كانون الثاني/ يناير 2011، ما اضطر الديكتاتور صالح للفرار بعد عام، وتم انتخاب منافسه عبد ربه منصور هادي رئيسا عام 2012، ولكن محاولات الإصلاح باءت بالفشل، في ظل بقايا الحلفاء العسكريين لصالح وتنظيم القاعدة والحوثيين، الذين تدعمهم إيران، والذين احتلوا صنعاء العام الماضي.
وتلفت الصحيفة إلى أن حكومة هادي، التي كانت تتعاون مع المخابرات الأمريكية للقضاء على تنظيم القاعدة في اليمن، اضطرت للهروب إلى المنفى في عدن. وبقيت الظروف التي أشعلت الثورة قبل خمس سنوات قائمة، بل إن الاقتتال الطائفي تسبب بالمزيد من الدمار على البنية التحتية والاقتصاد.
ويذكر التقرير أنه بينما لم تتوصل غالبية ثورات الربيع العربي لأكثر من التخلص من ديكتاتور واستبداله بديكتاتور آخر، فقد فشل السوريون في الخمس سنوات الأولى من ثورتهم من التخلص من بشار الأسد. فما بدأ بمظاهرات معارضة سياسية ضد بشار الأسد، الذي ورث الرئاسة عن أبيه حافظ الأسد، تصاعد ليصبح ثورة مسلحة؛ بسبب عنف الرد على المظاهرات وقمع المعارضة.
وتشير الكاتبة إلى أن أمريكا والقوى الغربية دعموا مجموعات الثوار المعتدلة في بداية الحرب الأهلية في آذار/ مارس 2011، التي جذبت المتطرفين السنة من أنحاء العالم العربي لقتال الأسد والعلويين. وقام تنظيم الدولة بالإعلان عن خلافة على حوالي نصف
سوريا ومساحات شاسعة من العراق، وهدد بالسيطرة على حلب، وبعدها ربما دمشق.
وتختم "لوس أنجلوس تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن هذه الهزيمة التي بدت تلوح بالأفق، جعلت روسيا تتدخل وتشارك في الحملة الجوية ضد تنظيم الدولة، في محاولة لدعم الأسد وهو الحليف القديم للكرملين. لافتة إلى أن عدد الضحايا يقدر بـ250 ألف سوري، وتقول الأمم المتحدة إن نصف سكان سوريا الـ24 مليون نزحوا عن بيوتهم.