شكلت ردود الأفعال العربية على التدخل الروسي في
سوريا مفاجأة لكثير من المراقبين، حيث بدا أن الحلفاء الثلاثة الرئيسيين للسعودية في المنطقة يؤيدون الدور الروسي الجديد والضربات الجوية التي قررت موسكو القيام بها لصالح نظام بشار الأسد، وهو ما فتح الباب أمام الكثير من الأسئلة والتي كان أكثرها وضوحاً: هل تعرضت الرياض التي تحارب إيران في
اليمن لخيانة من حلفائها؟
وتبين من المواقف الصادرة عن كل من دولة الامارات ومصر والأردن أن الدول الثلاثة تؤيد التدخل الروسي في سوريا، وتؤيد دعم موسكو لنظام بشار الأسد، بل تبرر وتفسر الموقف الروسي وتروج له، كما فعل وزير الخارجية
المصري سامح شكري الذي أدلى بتصريحات قال فيها إن "المعلومات المتوفرة لدى مصر من خلال الاتصالات المباشرة مع الجانب الروسي تؤكد اهتمام روسيا بمقاومة الإرهاب ومحاصرة انتشاره في سوريا".
وبرر شكري الضربات الجوية الروسية قائلا إن "هدف الغارات الروسية هو توجيه ضربة قاصمة للدولة الاسلامية في سوريا والعراق، ونرى أن هذا سيكون له أثر في محاصرة الإرهاب في سوريا والقضاء عليه".
وعلى صعيد متصل التقى نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة أمس الثلاثاء رئيسة المجلس الاتحادي الروسي، فالنتينا ماتفيينو، وأكد خلال اللقاء على "عمق علاقات الصداقة التاريخية التي تربط
الاردن وروسيا وتميزها في المجالات كافة"، مشيرا إلى "أن الحفاظ على علاقات متميزة مع روسيا هو احد الثوابت الاساسية في سياسة الاردن الخارجية".
وقال جودة إن بلاده "تؤيد الحل السياسي في سوريا" منذ بداية الأزمة، لكنه لم يشر لا من قريب أو من بعيد إلى التدخل الروسي العسكري، خلافا للموقف السعودي الذي أدان هذا التدخل.
وعلى وقع القصف الروسي لسوريا، يبدو أن
الإمارات تسعى إلى تنشيط علاقاتها الاقتصادية والسياحية مع روسيا، حيث أشار موقع "روسيا اليوم" باللغة العربية قبل أيام إلى عزم شركة "موانئ دبي العالمية" الاستثمار في تطوير قطاع النقل في الإقليم الواقع في الشرق الأقصى الروسي، فيما أطلقت مؤسسة "آرت روس" الأربعاء أول معرض لها عن الفن السوفييتي في العاصمة الإماراتية أبوظبي تحت عنوان "الحرب والسلام".
وتعيد المواقف الرسمية لكل من مصر والأردن والامارات إلى الواجهة الأسئلة التي انفردت "
عربي21" بطرحها يوم 25 آب/ أغسطس الماضي، عندما هبط كل من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، ورئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي، والملك الأردني عبد الله الثاني، جميعاً بالعاصمة الروسية موسكو وحلوا ضيوفا على الرئيس فلاديمير بوتين، وهي الزيارة التي قالت "
عربي21" حينها بأن الهدف منها هو صفقة تتعلق بسوريا، ولا شيء غير سوريا.
وبالنظر إلى المواقف الرسمية للدول الثلاثة حول التدخل الروسي في سوريا يصبح الاحتمال الأكثر ترجيحا هو أن بوتين أطلع القادة الثلاثة على خطة غزو سوريا وطلب منهم المباركة والترويج للموقف الروسي عربيا، أو الوقوف على الحياد على أقل تقدير.
وتحدثت العديد من التقارير ووسائل الاعلام في أواخر آب/ أغسطس الماضي عن تشكيل الامارات لتحالف إقليمي جديد في المنطقة يروج لحل سياسي سلمي في سوريا يبقي نظام بشار الأسد، ويرضي روسيا وإيران، على أن التقارير التي تحدثت عن ذلك قالت بأن أبوظبي تستغل إنشغال
السعودية بالحرب في اليمن من أجل تمرير أجندتها المتعلقة في سوريا.
وبينما أيدت كل من الإمارات ومصر والأردن التدخل الروسي في سوريا بشكل متفاوت، فإن السعودية أصدرت بيانا تندد فيه بالعدوان الروسي على سوريا، وهو البيان الذي انفردت دولة قطر بدعمه والوقوف خلفه بوضوح وحزم، فيما تجاهل الحلفاء التقليديون للسعودية بيانها بشأن التدخل الروسي، وهو ما يمثل أيضا موقفا واضحا يتمثل في التخلي عن الرياض في سوريا وسلوك طريق مختل عنها.
ويتحدث العديد من المراقبين عن مخاوف من أن يكون التحالف الجديد المفترض الذي يضم كلا من الإمارات ومصر والأردن متناقضا مع التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ضد الحوثيين والإيرانيين، حيث قال محلل سياسي عربي لــ "
عربي21" إن "المعركة في نهاية المطاف متشابهة، إذ أن الحرب في اليمن ليست سوى امتداد لحرب سوريا، وفي كلا الجبهتين تريد إيران التوسع على الأرض العربية مهددة الأمن القومي العربي"، على حد تعبيره.
ويلفت المحلل الذي تحدث لــ "
عربي21" إلى التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي قال فيها بوضوح إنه "لا مستقبل للأسد في سوريا"، ملوحا بإمكانية استخدام الخيار العسكري في سوريا أيضا، وهو ما يؤكد المحلل الذي طلب من "
عربي21" عدم نشر اسمه أنه "دليل على وجود خلافات عميقة بين دول التحالف العربي التي تحارب في اليمن، وخاصة بين الرياض وأبوظبي، إذ أن الأولى تحارب إيران وحلفاءها، بينما الثانية تقيم علاقات ودية حميمة مع موسكو وتريد بقاء الأسد في السلطة".