شكلت مشاركة القوى والحركات الإسلامية في الحكم والسلطة في عدد من الدول العربية تطورا مهما سواء على صعيد الواقع السياسي الداخلي أو لجهة اختبار مدى صلاحية الأفكار والطروحات التي يحملها الإسلاميون لجهة مشروع الدولة وتحقيق العدالة والتنمية والديمقراطية أو إقامة المؤسسات ومواجهة المذهبية والاحتلال ونفوذ الدول الكبرى.
لكن بعد عدة سنوات من مشاركة الإسلاميين في الحكم ( أحزاب أو قيادات من مختلف الاتجاهات) وبعد رفع شعارات عديدة من أن الإسلاميين يحملون الحلول لمختلف الأزمات، ها نحن اليوم نشهد نتائج متباينة ومتعارضة لهذه التجربة.
ففي بعض الدول حقق الإسلاميون إنجازات مهمة على صعيد التنمية أو السعي لإقامة الدولة العادلة أو تطبيق الديمقراطية أو مواجهة النفوذ الخارجي واو المشاركة مع القوى الأخرى في تطبيق المرحلة الانتقالية بعد سقوط الديكتاتورية، لكن في دول أخرى فشل الإسلاميون في تحقيق أي من هذه الأهداف، بل إن مشاركتهم في الحكم كان لها أثارا سلبية على الواقع الاجتماعي والسياسي وحتى لجهة دور الدين في السياسة وتقديم نموذج إيجابي لجهة مواجهة الفساد أو تحقيق التنمية الاجتماعية والعدالة.
ولعل من أسوأ التجارب لمشاركة الإسلاميين في الحكم، هي التجربة
العراقية ولا سيما منذ سقوط حكم صدام حسين والاحتلال الأميركي للعراق ووصول الأحزاب الإسلامية العراقية العريقة إلى الحكم وخصوصا حزب الدعوة الإسلامية.
فبعد 12 سنة على هذه التجربة السياسية والاجتماعية والأمنية والعسكرية والإدارية، فإن الواقع العراقي يعاني من العديد من المشكلات وابرزها الفساد الإداري والسياسي وغياب التنمية والفشل في إقامة المؤسسات القوية وبروز الصراعات المذهبية والعرقية والقومية، إضافة للتحديات الأمنية وازدياد النفوذ الخارجي، مما دفع الكثير من العراقيين للشعور باليأس والإحباط وتوجيه اللوم للإسلاميين والقيادات الدينية وحتى لانتشار موجات من الارتداد عن الدين حسبما تؤكد مصادر دينية مطلعة في النجف الأشرف وعلى صعيد الحوزة الدينية في العراق.
وبسبب هذه الأجواء السلبية ونظرا لفشل التجربة الإسلامية في الحكم في العراق شهدنا في الأسابيع الماضية تحركا شعبيا متواصلا من أجل الإصلاح السياسي والإداري وبدأت ترتفع بعض الأصوات الجريئة في العراق وحتى من داخل الحوزة الدينية في النجف الأشرف تدعو لأنهاء تجربة مشاركة الإسلاميين في الحكم والعمل لإقامة الدولة المدنية ولإعادة النظر بكل التجربة السياسية العراقية خلال السنوات الاثني عشر الأخيرة أي منذ سقوط حكم صدام حسين والاحتلال الأميركي للعراق.
ومن يزور العراق ويلتقي بالنخب والمسؤولين العراقيين وببعض علماء الدين والناشطين في الحوزة الدينية يستمع إلى أراء جريئة في نقد التجربة الإسلامية في الحكم ويكتشف أن هناك فئات عراقية واسعة لم تعد مؤمنة بفكرة إدخال الدين في العملية السياسية وتطالب بتعزيز المشروع المدني وبإعادة النظر بكل التجربة العراقية بسبب الفشل في كل المجالات السياسية والإدارية والعسكرية والأمنية وكي يستطيع العراق مواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية.
لقد كشفت مشاركة الإسلاميين في الحكم في العديد من الدول العربية والإسلامية نقاط القوة والضعف في المشروع الإسلامي، ففي بعض الدول حقق الإسلاميون نجاحات وإجازات معينة ولا سيما عندما قدّموا نموذجا إيجابيا على مستوى الإدارة والتنمية والمشاركة الديمقراطية، وفي دول أخرى فشل الإسلاميون فشل ذريعا ولم يحققوا أي إنجازات عملية، بل إن وصولهم للسلطة أدى إلى نتائج كارثية على مستوى المجتمع والدولة.
ومن هنا أهمية إعادة تقييم كل التجارب الإسلامية في الحكم لمعرفة أسباب الفشل أو النجاح، ومن أجل معرفة هل أن المشكلة تكمن في الشعارات وفي المشروع والفكر الإسلامي ؟ أم أن المشكلة تكمن في أداء الإسلاميين وطريقة إدارتهم للحكم والسلطة ولأنهم بشر مثل بقية البشر يخطئون ويصيبون.
لقد أدت مشاركة الإسلاميين في الحكم إلى نزولهم من السماء إلى الأرض وهم معرضون للفشل والنجاح ويجب محاسبتهم كما نحاسب بقية القوى والحركات السياسية وبذلك نحفظ التجربة الإسلامية والمشروع الإسلامي والدين والفكر الإسلامي.