حضر زعيم الانقلاب في
مصر عبد الفتاح
السيسي، صباح الاثنين، احتفالات مصر بالذكرى الثانية والأربعين لحرب أكتوبر، في مقر الكلية الحربية، وبحضور الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي.
ولاحظ مقربون غياب ذكر إسرائيل، حتى بالكلمة، في حين كانت حرب أكتوبر عام 1973 مع القوات الإسرائيلية، لاستعادة جزيرة شبه سيناء التي احتلتها إسرائيل بعد حرب الأيام الستة، المعروفة بنكسة 1967.
وتزامن غياب ذكر إسرائيل مع دعوات السيسي لما أسماه "توسيع السلام" معها، ومزيد من التقارب عبر توسيع رقعة السلام في المنطقة، في حوار له مع وكالة "أسوشيتد برس"، على هامش زيارته لنيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكد السيسي في كلمته أهمية ذكرى معركة
6 أكتوبر "لاستدعاء روح أكتوبر واستلهام الدروس المستفادة منها"، لاسيما أن قسما كبيرا من الشعب المصري لم يعايش تلك الفترة، بحسب قوله، في حين أشاد بمشاركة الدول العربية الشقيقة في حرب أكتوبر، ومساندتهم لمصر وشعبها.
وأشار إلى ما عاناه الشعب المصري من مرارة النكسة في عام 1967، مؤكدا أن تلك المرارة لن تتكرر مرة أخرى بفضل الله سبحانه وتعالى، ولن تكون هناك عودة لزمن الانهزام والانكسار، في حين أشار مراقبون إلى تناقض هذه التصريحات مع دعوة السيسي للسلام.
غزل مع السعودية
وتضمنت كلمة السيسي ما اعتبره مراقبون "غزلا" للسعودية، بمحاولة لامتصاص غضب السعوديين من السيسي، على إثر موقفه الأخير من سوريا، ودعمه للحملة العسكرية الروسية على سوريا، في موقف يتناقض جوهريا وكليا مع موقف السعودية التي أعلنت رفضها وتنديدها بهذه الهجمات، ودعت لإيقافها.
ووجه السيسي، في كلمته "خالص التعازي لأسر شهداء الحج، سواء من المصريين أو من الدول العربية والإسلامية"، مشيدا بالدور التاريخي الذي تقوم به المملكة العربية السعودية لخدمة الحجيج في موسم الحج وكذا على مدار العام لمعتمري بيت الله الحرام، ومؤكدا على تقدير مصر لهذا الدور ورفضها للمزايدة عليه.
دعاية سياسية
وتضمن خطاب السيسي دعاية سياسية لخارطة الطريق التي وضعها في انقلاب الثالث من يوليو؛ إذ علق السيسي على تفسير تصريحاته للدستور بالدعوة لـ"أهمية عدم التشكيك في النوايا، خاصة في ضوء ما تشهده المرحلة الحالية من عمل بتجرد وإعلاء لمصلحة الوطن".
وحول الانتخابات البرلمانية، أضاف السيسي أن البرلمان "سيضطلع بمهمة تشريعية جسيمة لتعديل وإصدار العديد من القوانين"، منوها إلى تجربة قانون الخدمة المدنية الذي اعترضت عليه بعض فئات الشعب بل ووصفته بـ"الجائر"، على الرغم من عدم مساسه باستمرار العاملين في وظائفهم أو برواتبهم وعلاواتهم، ومحذرا من مغبة تكرار ذلك لدى قيام البرلمان بتعديل مختلف القوانين التي ستتعلق بالعديد من فئات الشعب.
ودعا السيسي مختلف فئات الشعب المصري إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، مشيرا إلى أهمية "حُسن اختيار النواب الجدد الذين سيشاركون في تحمُل مسؤولية الوطن"، وإلى أنه "لا يتعين على الحكومة الحالية أن تقدم استقالتها مباشرة فور انتخاب البرلمان؛ حيث يتعين أن تقدم الحكومة برنامجها إلى البرلمان لإبداء الرأي حياله، وسوف تستمر في حالة إقراره"، على حد تعبيره.
دعاية للجيش
واستغل السيسي ذكرى السادس من أكتوبر ليقدم "دعاية سياسية" للجيش المصري، بحسب مراقبين، إذ أكد السيسي أن "متانة وقوة العلاقات بين الشعب المصري والقوات المسلحة كانت أحد أهم الأسباب التي أدت إلى تحقيق النصر في حرب أكتوبر العظيمة، حيث التف الجميع حول هدف واحد هو استعادة الأرض والكرامة"، داعيا للحفاظ على العلاقات الوثيقة بين الشعب والقوات المسلحة في إطار من الحرص والاحترام المتبادل، بحسب قوله.
ودعا السيسي في كلمته الشعب المصري للخضوع للقرارات المصيرية؛ إذ اعتبر أن "من أهم دروس السادس من أكتوبر هو أهمية اتخاذ القرارات، لاسيما المصيرية في الوقت المناسب"، حيث واجهت القيادة السياسية المصرية آنذاك ضغوطا مجتمعية لاتخاذ قرار الحرب سريعا، إلا أنها كانت حكيمة وحريصة على اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب ليحقق الأهداف المرجوة، بحسب تعبيره.
وزعم السيسي أن الجيش المصري استطاع بناء ذاته اقتصاديا؛ حيث "ظل رجال القوات المسلحة يتقاضون نصف رواتبهم لمدة عشرين عاما، ليتمكنوا من توفير الموارد الاقتصادية للقوات المسلحة المصرية، فلقد كانت مصر وستظل دوما نصب أعينهم"، فيما يشار إلى أن فساد الجيش الاقتصادي وتوسيع سيطرته ورواتبه كانت من أسباب ثورة 25 من يناير.
رسائل "تخديرية"
واستغل السيسي كلمة السادس من أكتوبر لتقديم رسائل وصفها مراقبون بأنها "تخديرية" للشعب، إذ قارن بين وضع مصر ووضع دول أخرى في المنطقة، في إشارة إلى سوريا والعراق، داعيا "لأن نستقرئ جميعا أحوال بعض دول المنطقة التي تواجه صعوبات جمة، أثرت سلبا على حياة شعوبها"، فيما أكد أن مصر بوعي شعبها لن تسمح أبدا بحدوث ذلك على أراضيها، ولن يتمكن أحد من المساس بها، بحسب قوله.
وزعم السيسي أن مصر استعادت مكانتها الدولية "اللائقة" خلال عام ونصف العام، حيث منحت لكافة أطراف المجتمع الدولي الفرصة والوقت اللازمين لتفهم حقيقة وتطورات الأوضاع التي شهدتها منذ الثلاثين من يونيو، الذي كان حدثا جللا ومهما، وهو الأمر الذي انعكس على علاقات مصر الدولية التي تشهد تناميا ملحوظا وإيجابيا مع مختلف القوى الدولية، ولقد جاء هذا التحسن مدعوما برؤية مصرية حصيفة وثاقبة لتطورات الأوضاع في المنطقة.
وفي سياق متصل، أكد أنه "لا عودة للوراء مرة أخرى؛ حيث إن ما حدث في الثلاثين من يونيو كان تغيرا جذريا"، مشيرا إلى أنه لا يمكن لأي طرف أن يفرض إرادته على المصريين الذين يتمتعون بحرية كاملة في خياراتهم".
ولم يفوت السيسي المناسبة للحديث عن "الإرهاب"؛ إذ أكد على "أهمية القضاء على الجماعات الإرهابية والمتطرفة، مع الحيلولة دون إمدادها بالمال والسلاح والمقاتلين"، داعيا لأن يتوازى مع تلك الجهود تصويب للخطاب الديني، ليس فقط للتعريف بصحيح الدين، ولكن أيضا لضمان التطبيق العملي الصحيح للقيم الدينية السامية.
ووجه السيسي رسالة للشعب المصري أكد فيها أن "الغد سيكون أفضل وأكثر إشراقا"، مشيرا إلى أن "كافة المؤشرات تدلل على ذلك" وأنه برعاية الله سبحانه وتعالى ثم بسواعد المصريين وعملهم وصبرهم وتضحياتهم، ستتمكن مصر من تحقيق التنمية المنشودة"، داعيا المصريين "للتفاؤل"، بحسب قوله.