كتب ماهر أبو طير: تورطت روسيا في سوريا، بذريعة محاربة الإرهاب، وكل عملياتها الأولى ثبت أنها موجهة للفصائل السورية التي أطلقتها واشنطن تحديدا، وليس ضد داعش وغيره من فصائل.
معنى الكلام أن الحرب في سوريا، هي بين معسكرين، الولايات المتحدة وفصائلها، وروسيا والنظام العامل معها، والكل يعنون حربه بداعش فيما المقصود أمر آخر تماما، فقوى العالم تتحارب على الأرض السورية، والنظام كان سببا منذ بدايات الربيع العربي، في إطلاق هذه الفوضى، وفتح بوابات سوريا لكل هذه القوى.
بعد سلسلة عمليات نفذتها موسكو، تبين أنها لم تقصف داعش كما تدعي، بل مقرات لفصائل الجيش الحر الممولة والمسلحة أمريكيا، وفي الظاهر تخدم موسكو النظام، فيما هي فعليا توجه الرسالة لمن يحتضن هذه الفصائل، أي الغرب تحديدا.
رئيس حكومة بريطانيا يدخل على الخط ويقول إن التدخل الروسي في سوريا خطأ فظيع، وإن الذين يموتون ليسوا من داعش، بل من الفصائل الأخرى، قاصدا فصائل سورية دربها الغرب على يديه، وسمح لها بتلقي المال والسلاح، وكأن رسالة موسكو هنا إلى الأب الأمريكي الراعي، وليس للاعبين السوريين فعليا على الأرض.
موسكو ولأنها تفهم معنى الكلام الغربي،خرجت بتصريح متذاك على لسان الجنرال آندري كارتابولوف، المسؤول العسكري في قيادة الأركان في الجيش الروسي، يقول فيه إن المناطق التي تم استهدافها من سلاح الجو الروسي في سوريا، كانت قد عرّفت لموسكو سابقا بأنها مناطق تأوي إرهابيين فقط من القيادة العسكرية الأمريكية!!
معنى كلام الروس أنهم يعترفون ضمنيا أنهم حصلوا على إحداثيات المواقع المقصوفة من الأمريكان، أي إنهم يريدون أن يقولوا إن واشنطن تسعى لتدمير الفصائل القريبة منها، أو إنها من جانب آخر تريد أن تقول إنه تم التغرير بها، وبدلا من حصولها على مواقع لداعش، حصلت على مواقع لفصائل عسكرية من خط سياسي مغاير لداعش.
إذا كان تصريح الجنرال الروسي دقيق، فهذا يعني أن واشنطن تتعمد منح الروس إحداثيات خاطئة، من أجل أن يقعوا في أخطاء كبيرة داخل سوريا، لكن لماذا تحتاج روسيا أساسا إلى معلومات أمريكية وهي موجدة عسكريا في سوريا منذ عقود، ثم ما الذي يمكن أن تفعله موسكو بأسلحتها غير الذي فعلته واشنطن وسلسلة تحالفاتها خلال عمليات القصف على سوريا؟!
لم يواجه شعب فلسطين ولا شعب العراق، ما واجهه الشعب السوري، فكل قوى العالم تتدخل في وضعه الداخلي، وكل اللاعبين يلعبون بدم السوريين، فتسأل سؤالا بسيطا، حول السبب الذي منع نظام دمشق من بداية الفوضى السورية، من استيعاب مواطنيه، وإغلاق الباب في وجه ما يروج له من مؤامرات، بدلا من تسويقه لنفسه اليوم، باعتباره يقاوم المؤامرة في سوريا، وهو تسويق غير مقنع على الأغلب.
في الاتصالات السرية بين واشنطن وموسكو، تهديدات مبطنة، حتى لا تحدث مواجهات بين الطيران الروسي والأمريكي في سماء روسيا، والأرجح أن واشنطن ستخلي السماء لموسكو، لكنها سترد عليها عبر الأرض، وقد نسمع عن تسرب أسلحة من نوع جديد لإسقاط الطيران الروسي، وهكذا تتفرع المعركة من معركة مع النظام إلى عشرين معركة مع النظام وواشنطن وموسكو والفصائل المعتدلة والفصائل ذات الصبغة الدينية، وكل هذا يحكي لنا، عن تدهور في المشهد السوري.
يقال هذا الكلام لكل أولئك الذين يترنحون برؤوسهم الثقيلة من فرط الدم المسُكر الممزوج بالتخيلات، حول أن موسكو جاءت لتحسم المشهد، وأن الأسد منتصر لامحالة.
من قال لهم إن قوى العالم الأخرى ستتفرج على روسيا، دون أن تحاول إدخالها الفرن السوري، وإخراجها محروقة منه، ولو تصفية لحسابات قديمة من أفغانستان مرورا بالبلقان، وصولا إلى صولات القيصر هنا وهناك؟!
ومن قال لهم أيضا، إن الشعب السوري يستطيع العيش تحت كل أطنان الصواريخ والقذائف المعروفة المصدر والمجهولة، بحيث باتت سوريا، بلدا لايصلح للحياة، ولو على الأقل من ناحية بيئية وبحاجة لعشرات السنين حتى يتطهر من آثار الأسلحة؟!
تصريح الجنرال إياه غريب، إذ فجأة يرسم لك صورة التابع لواشنطن، ليغمز من قناة واشنطن عند فصائلها، باعتبارها السبب في إعطاء مواقعها وقصفها، لكننا كلنا نعرف أن موسكو ليست بحاجة لإحداثيات من أحد، فهي تقصف فعليا الوجود الأمريكي في سوريا، فيما علينا انتظار الرد الأمريكي على الروس، ولو عبر سيناريو الأفغنة وفصائلها.
تبا لهم جميعا. فما من خاسر إلا سوريا وشعبها فقط.
(عن صحيفة الدستور الأردنية، 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2015)