يتفاعل المشهد السياسي بالجزائر، بشكل يهمش، شيئا فشيئا، دور التيار الإسلامي برسم معالم المرحلة المقبلة، التي تقوم بهندستها
السلطة وأحزاب الموالاة، دون الأحزاب الإسلامية، التي تخندق معظمها بالمعارضة.
ورغم أن الأحزاب الإسلامية تقدمت بمبادرات سياسية للخروج من حالة الإنسداد السياسي بالجزائر، إلا أن السلطة لم تستجب لدعواتها لفتح حوار للخروج من ما تسميه "مأزق"، تسببت فيه السلطة منذ ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، وفوزه بانتخابات الرئاسة التي جرت يوم 17 نيسان/ أبريل من العام الماضي.
وتعتبر الأحزاب الإسلامية، أن "الخناق" اشتد على النظام بسبب تهاوي أسعار النفط، الأمر الذي عصب بالاقتصاد
الجزائري. وكثيرا ما إتهمت هذه الأحزاب، الحكومة بالجزائر بشراء السلم الاجتماعي بأموال النفط، وتمكنت لسنوات عديد من كبح الإحتجاجات الاجتماعية، فرفعت رواتب الموظفين، وشيدت قرابة مليوني سكن، ودعمت المواد الغذائية الأساسية من أموال الخزينة العامة.
لكن مداخيل الخزينة العامة تراجعت بشكل مخيف، جراء انهيار أسعار النفط وقدر الخبراء التراجع بـ18 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، ما يدفع للتساؤل: هل بإمكان الحكومة تجاوز هذه المشكلة، رغم أنها أوقفت تنفيذ الآلاف من المشاريع الكبرى.
ورغم أن هذه التداعيات المخيفة، شكلت أهم مبررات إقامة الأحزاب الإسلامية، الحجة، على فشل السلطة، إلا أن الأخيرة، تعمل على هندسة المشهد السياسي بعيدا عن ضغط التيار الإسلامي.
وبالمقابل، فشل هذا التيار في لم الشمل، نتيجة فشل المبادرة التي أطلقها في آب/ أغسطس الماضي، زعيم "جبهة العدالة والتنمية"، عبد الله جاب الله، بتوحيد صفوف الإسلاميين. فبقيت الأحزاب الإسلامية تغرد فرادى.
وفي خضم هذه التداعيات، أعلن مدني مزراق أمير "الجيش الإسلامي للإنقاذ" سابقا، عن حزب سياسي "الجبهة الإسلامية من أجل الإنقاذ و المصالحة"، كإمتداد لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" الذي تم حلها مطلع التسعينيات وكان مدني عضوا بارزا فيها.
لكن السلطة رفضت منح ترخيص النشاط لحزب مدني، كما أن الحزب، لم يلق إجماعا وسط قدماء "الجبهة الإسلامية للإنقاذ".
ونقلت جريدة الخبر الجزائرية، الأحد، عن أحمد بن عائشة، الأمير الجهوي للجيش الإسلامي للإنقاذ بالغرب الجزائري، سابقا، تصريحا مطولا يقول فيه إن الشيخ مدني لم يستشرنا بتأسيس الحزب، وفكرة كهذه يجب أن تكون نابعة من إجماع كافة القيادات داخل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لذلك فإن هذا الحزب لا يعنينا".
والواضح أن السلطة التي أعلنت رفضها الترخيص لحزب مدني مزراق، قد وجدت في تصريح رفيق دربه، أحمد بن عائشة، مستندا قويا بموقفها.
لكن البرلماني الإسلامي، حسن عريبي، ينتقد منع جماعة مدني من العمل السياسي، وقال في تصريح لـ "
عربي21"، "إن قول الوزير الأول عبد المالك سلال إنه لا يريد العودة بالبلاد إلى سنوات التسعينيات، يدفعنا إلى التفكير في من أدى بأبناء الجزائر إلى الإقتتال فيما بينهم".
وقال عريبي "من حق أعضاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ العمل السياسي وفقا للدستور الذي يكفل لكل جزائري حق العمل السياسي".
ويؤيد إسماعيل معراف، الخبير في الشؤون الإستراتيجية موقف عريبي حينما يقول إنه "شيء جميل بأن يفكر مدني مزراق، بدخول الحياة السياسية من الباب الديمقراطي، أتركوه يعمل". وقال معراف في تصريح لـ "
عربي21"، "أظن أن هذا المنع غير دستوري وغير قانوني وغير ديمقراطي، وهذا ينم على أن الطابع الإستبدادي ما زال مستمرا بالجزائر".