حذر الكاتب الصحفي
المصري، محمد
حسنين هيكل، من أن مصر ستتخبط لفترة. وأكد أنه "لو استمر التفكك فى الجبهة الداخلية، فمصر مقبلة على كارثة"، واصفا ما يجري في العراق وسوريا واليمن بأنه "جنون في جنون".
جاء ذلك في حوار أجراه هيكل مع عدد من أصدقائه الذين يغلب عليهم الفكر الناصري، فى مكتبه على النيل بالقاهرة، السبت، احتفالا بيوم مولده الـ93 (من مواليد 23 أيلول/ سبتمبر 1923)، ونقلت جريدتا الشروق، والأخبار، المصريتان، ملخصا لما دار فيه، الأحد.
دار حوار هيكل مع محاوريه (الذين تم انتقاؤهم بعناية) على ثلاثة محاور؛ أولها الوضع في مصر، والثاني الأوضاع في المنطقة، والثالث قضايا عامة تتعلق بالتاريخ، والجغرافيا، والماضي والحاضر.
ولوحظ أن هيكل تجنب الحديث بالاسم عن السعودية، وإيران، ودول الخليج على غير ما كان درج عليه في حواراته الأخيرة التي احتوت هجوما على السعودية، ورمي حكامها بأنهم مغيبون، ومدحا في إيران، وتقليلا من شأن دول الخليج، مع التماس التبريرات للسيسي، وسياساته، فجاء حديثه أقرب إلى العموميات، والتجريد، فضلا عن الانشغال بتشريح الواقع المصري، وغلبة الشعور عليه، بعدم التفاؤل بمستتقبل مصر في ظل إدارة
السيسي.
من جهتهم، فرض المتحاورون، والمحتفلون، فيما يبدو، على هيكل، تناول الشأن المصري أولا.. فجاء كلامه في هذا الصدد خطيرا، وصادما، ويكفي أنه انتقد غياب الرؤية، وحذر من تفكك الجبهة الداخلية، إذ قال: "أنتم تحملون السيسي ما لا يطيق.. لأنكم تتصورون أنه تعاونه أجهزة دولة، وتلتف حوله، وتقدم له المشورة في الوقت المناسب".
مصر تتخبط وتائهة
وبحسب الصحيفتين، فإن هيكل قال إن "مصر يمكن أن تتخبط لفترة طويلة؛ لأن الحقائق تائهة".
وقال هيكل: "لا تستطيع أن تستعيد سلطة جمال عبدالناصر بسياسات إسماعيل صدقي".
وكشف أن "السيسي مصدوم من المشكلات والتحديات التى تواجه البلد، ويشعر بالمرارة بعد اطلاعه عليها".
ووصف السيسي بأنه "كان عنده تصورات حالمة، لكنه لم يكن يعرف طبيعة الملفات، ويجب أن يتجاوز تلك الصدمة".
وتابع هيكل تحذيراته من "عواقب تفكيك الجبهة الداخلية"، قائلا: "لو استمر التفكك فى الجبهة الداخلية فمصر مقبلة على كارثة"، مؤكدا أن الدولة تحتاج إلى إعادة النظر في أولوياتها في هذه اللحظة"، مضيفا بعامية مصرية: "البلد للأسف جرى عليها وابور زلط فبططها".
وأضاف: "ما نحتاج إليه الآن رؤية.. السؤال: من أين نبدأ في مصر الآن؟ إن العثور على نقطة البدء مسألة صعبة، لكن لابد من أن نبحث عنها، ونجدها، وإن لم نجدها نخلقها".
وأوضح أن "مشكلة مصر الآن أنه ليست هناك فكرة مركزية مطروحة على الواقع.. لا توجد وحدة هدف واضحة.. وليست هناك دولة مركزية واضحة.. هناك مشكلة هي الإحساس بالدولة المصرية الآن".
واستطرد: " هناك مشكلة فهم.. نحن لا نفهم الواقع في الداخل المصري، ولا آلياته، ولا شكل تطوره، أيضا لا نحاول أن نفهم العالم من حولنا.. هناك تغيرات غير عادية تجري من حولنا في غيبة أي وضوح أو رغبة في الفهم من جانبنا.. نحن نتكلم عن بلد تغيرت قواه الاجتماعية الداخلية وتبدلت.. وقواه الإقليمية المحيطة به تغيرت، ولم نحاول أن نفهم ما يجري حولنا".
وكأنه يحاول تبرئة السيسي من تحمل المسؤولية تجاه هذا الوضع، قال هيكل: "نحن نتحدث عن رجل - يقصد السيسي - مستعد لأن يسمع، وينصت، ويتفهم، لكن الأزمة غياب منهج للتفكير، كما أننا نعانى من أزمة كفاءة، والعثور على نقطة بداية هو أمر فى منتهى الصعوبة".
أوضاع المنطقة "جنون في جنون"
ومن الوضع المصري الداخلي إلى الوضع في المنطقة العربية، انتقل هيكل بالحوار قائلا: "إن مصر في هذه اللحظة تائهة.. وسط إقليم تائه".
وتابع: "لابد من توصيف أحوالنا.. إن ما يجري حولنا "جنون في جنون".. ما يجري في العراق لا يعقل.. ما يجري في سوريا لا يعقل.. ما يجري في اليمن لا يعقل.. وكل هذا الذي لا يعقل حولنا يربكنا، وهذا الإرباك الخارجي يمكن أن ينعكس على الوضع الداخلي".
وحول سوريا قال: "يجب أن يكون لنا دور سياسي.. لا يعقل أن نترك سوريا، ولا يكون لنا دور فيما يدور".
وعن الخطة الروسية الجديدة لسوريا قال: "روسيا تحاول الاستفادة من كل الأخطاء التي ارتكبتها السياسة الأمريكية في المنطقة، خصوصا تجاه سوريا.. لقد درس بوتين كل أخطاء أوباما، واشتغل عليها.. وبالتالي هذا هو شكل الصراع الذي يدور الآن على أرض سوريا".
وأضاف: "الروس يستفيدون من كل الأخطاء التي يقع فيها الأمريكان.. بوتين يلعب على أخطاء الإدارة الأمريكية، هو لا يستطيع أن يتدخل اقتصاديا، لكنه يتصيد أخطاء منافسه، ويبني عليها موقفه".
دور المثقفين
وفي حواره مع أصدقائه تناول هيكل دور المثقفين بمصر، فقال: "في أوقات الأزمات يطرح البعض دائما أفكارا، ويتطور الأمر إلى أن يُخلق تيار عام، وبعدها يتحرك وعي الناس".
وضرب مثلا بقضية الإصلاح الزراعي التي طرحها إبراهيم شكري، ومحمد خطاب، قبل "ثورة يوليو".
وأضاف: "هناك قوى منحازة لقضايا العدل، والعدالة الاجتماعية، لكننا نحتاج إلى تنظيم العقل المصري".
قضايا الدستور
تطرق هيكل أيضا إلى الحديث الدائر بمصر حاليا حول تعديل الدستور، فأبدى اندهاشا من إثارة القضية على هذا النحو قائلا: "الدستور لم يطبق، ولم تنفذ مواده بعد، والعجيب أن البعض يطالب بتعديله".
ثم انتقل هيكل في حواره بعد ذلك إلى القضايا العامة، وبحسب يوسف القعيد، كاتب حواره في "الأخبار" فقد قال: "ليس لدينا أزمة في التعامل مع هذه اللحظة، ولكن لدينا أزمات في التعامل مع كل اللحظات".
ومما قال أيضا: "غياب الوعي السياسي يؤدي إلى التحنيط".
وهاجم الصحافة المصرية فقال: "لا أعتقد أن الصحافة (المصرية)، ومن يعملون فيها لديهم فكرة عن الإقليم المحيط بنا، أو لديهم سلم أولويات لمشاكلنا الداخلية والخارجية".
وقال: "إن نداء القاهرة الإعلامي للوطن العربي من حولنا، وهو النداء الذي مكن مصر من قيادة المنطقة العربية في ستينيات القرن الماضي.. هذا النداء لا وجود له الآن".
وبحسب صحيفة "الشروق"، اختتم هيكل حواره بالقول: "أتمنى أن يكون هناك أحد يخطط، ويفكر.. لا توجد فكرة مركزية مطروحة، ولا توجد وحدة هدف واضحة، أنت تحاول أن تبني دولة.. مبارك كان يتعامل مع الدولة باعتبارها دكانا، والإخوان كانوا يخططون لخطفها، لكنهم لم يتمكنوا".
ويُذكر أن حضور احتفالية هيكل بيوم مولده ضمت كلا من: عبد الله السناوي، وجمال فهمي، ويحيي قلاش، وحسين عبد الغني، ويوسف القعيد، وهاني شكر الله، ومحمد عبد الهادي علام، ومحمد هاني، ولميس الحديدي، ومحمد سعد عبدالحفيظ، وحسام عيسى.