قرار اتخاذ قرار بمعارضة نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي يمر بعدة مراحل، في البداية تسأل نفسك إن كنت جاهزا لدفع ثمن هذه الخصومة مع نظام بلا قلب قد يقتلك أو يسجنك أو على الأقل يطاردك في أماكن عملك، بعدها تبحث عن منبر يتحمل موقفك المعارض ويسمح لك بمهاجمة النظام أو انتقاده في ظل تأميم كل وسائل الإعلام لصالح الصوت الأوحد، أخيرا، وبعد أن تحسم كل ذلك يأتي السؤال الأهم، كيف يمكن أن تنتقد اللاشيء؟
لم تشغل نفسك بضريبة المعارضة، ولا بالمنبر الذي يمكن أن تعارض من خلاله، بل بوضعك وأنت مضطر لأن تتعامل مع ما يدور حولي على أنه أشياء واقعية يمكن أن تواجهها وتفندها بالعقل والمنطق، أنت لا تتعامل مع أخطاء سياسية أو فشل إداري أو حتى إجرام سلطة، أنت تتعامل مع جنون كامل معارضتك له أشبه بإعطاء محاضرات عن نظرية النسبية لنزلاء مستشفى الأمراض العقلية!
دعك من الكلام النظري وتعال إلى تجربة عملية:
"السيسي: الدستور كتب بنوايا حسنة والأوطان لا تبنى بالنوايا الحسنة"
"السيسي: أنا طبيب كل الفلاسفة وزعماء العالم قالوا للناس اسمعوا كلام الراجل ده"
"مصطفى بكري: الإخوان وضعوا الكثير من مواد دستور 2014"
"ممتاز القط: الديمقراطية “سرطان” يصدره الغرب لنا"
"الوفد: معركة الواحات تحبط عملية إرهابية لاختطاف سياح"
"وزيرة السكان: اللي مش هيشتغل هديله بالشبشب"
"وزيرة القوى العاملة في بيان رسمي: جوزي بيحب الملوخية بالأرانب"
"وزير البيئة: تعيين حراس على الزبالة للإبلاغ عن أى حرائق للحد من التلوث"
"مرتضى منصور: عاوز الأهلي يلاعبني راجل لراجل وبلاش شغل السحر وجاميكا"
أنت الآن معارض ويجب أن تقوم بدورك في نقد تصريحات السلطة ورجالها، تجد رأس السلطة الذي أشرف بنفسه على اختيار لجنة الدستور وراجعه مادة مادة قبل إقراره وأضاف وعدّل وحذف ودمج ومنح ومنع وهو يطالب بتعديله لأنه تم تعديله بنوايا حسنة، ليلتقط أحد كتاب السطلة طرف الخيط ويطالب بدوره بتعديل الدستور لأن كثير من مواده كتبها الإخوان الذين لا يعترفون أصلا بالدستور ولا بمن كتبوه.
تعود مرة أخرى للرئيس فتجده يتغزل في نفسه ويعتبر نفسه طبيبا لكل الفلاسفة، كلهم وليس بعضهم، ويطالب زعماء العالم الناس بالاستماع له وهو الذي بذل وما زال يبذل مجهودات كبيرة وأنفق وما زال ينفق أموالا طائلة ليعترفوا به أصلا كرئيس، تنزل إلى أحد رؤساء تحرير مبارك الذي عاد إلى الحياة من بلاعة جديدة افتتحها أحد رجال الأعمال لتجده يفعل ما كان يفعله السلفيون في السابق ويحرّم الديمقراطية ويعتبرها سرطانا يصدره لنا الغرب وهو نفسه من يعتبر أن انتخاب السيسي رئيسا كان عرسا ديمقراطيا، والموافقة على الدستور أيضا كانت عرسا ديمقراطيا، وما أكثر "الأعراس" في مصر الجديدة!
تترك السياسة وتنزل لمتابعة حادث مقتل السياح الميكسيكيين في الصحراء الغربية فتجد جريدة حزبية "معارضة" تؤكد أن الدولة نجحت في إحباط مخطط وضعه إرهابيين لخطف السياح وقتلتهم، قتلت السياح وليس الإرهابيين حضرتك، حتى لا يجد الإرهابيون من يخطفونه، فلم يُخلق بعد من يلوي ذراع الدولة المصرية!
تسمع أن وزارة القوى العاملة أصدرت بيانا جديدا، تذهب إليه ربما تجد فيه أنباء عن توفير فرص عمل أو إعادة بعض الحقوق إلى العمال فتجد أن الوزيرة تحمل لنا أخبارا أهم، أن زوجها يحب الملوخية بالأرانب، تبحث عن عنصر نسائي آخر في الحكومة ربما يكون عنده الجديد فتجد تصريحا لوزيرة السكان تقول فيه إن اللي مش هيشتغل هتديله بالشبشب، أيوة اسم الله على مقامك الشبشب انت قريت صح.
تنسى السياسة والسياحة والعمال والفلاحين والسكان والعيشة واللي عايشينها وتقرر أن تقرأ صفحة الرياضة فتجد تصريحا لرئيس نادي كبير يرى أن النادي المنافس كلف نفسه وبحث عن ساحر ودفع له أموالا، وعندما أصبح أمامه الجني لم يطلب منه الفوز ببطولة بل الفوز بمباراة، فما أحلى القناعة.
طيب أنا راضي ذمتك، هل هذه تصريحات يمكن أن تفندها بالعقل وترد عليها بالمنطق وتستدعي لها أحداثا من التاريخ وحوادث من التراث لتقنع مؤيدي هذا النظام أنه فاشل؟ وهل من يسمع ويقرأ هذه التصريحات يوميا ويتعامل معها على أنها عادية ويشتري البطيخة ويعود في المساء ليشاهد برامج التوك شو ويدعو على الثوار بالتزامن مع تفتفة لب البطيخ لأنهم كانوا يريدون إفساد هذا البلد الجميل، ينتظر تحليلا متماسكا تتعب فيه لتفنيد أخطاء السلطة واستحالة تحولها إلى نموذج للحكم الرشيد؟
صدقني، أنا لا أخاف من تبعات ما أكتبه، ولا أخاف من تليفون قد يتسبب في طردي من العمل، ولا أبذل مجهودا لتفادي الكلمات التي قد تجلب لي المشاكل، لكنني أبذل مجهودا كبيرا لإقناع نفسي بأن هذا الجنون الذي أراه وأقرأه ممارسات سياسية، ثم أبذل مجهودا أكبر لإقناع نفسي بأن الرد على هذا الهراء وتفنيده ليس هراءً في حد ذاته!