كتب أمين قمورية: من حق نفاياتنا أن تتباهى بفعلتها ومن حقنا أن نشوف حالنا بزبالتنا. أكوامها الكريهة حركت كل ما عجزت عن تحريكه تراكمات المصائب الأخرى. فعلت ما لم تفعله عتمة الكهرباء وشح المياه، روائحها كانت أبشع من رائحة الأغذية الفاسدة والأدوية المنتهية صلاحيتها، كانت أشد أثرا من الموت المجاني على أبواب المستشفيات. حتى الفراغ الرئاسي والتمديد للنواب بدوا هزيلين أمامها. وغار منها قانون الانتخاب الذي طالما تمنى الراغبون في تحديثه أن يحشدوا في الشارع نزرا قليلا من الجموع التي تمكنت من جمعها.
فجأة ومن دون مقدمات، طغى انفجار تراكمها على ما عداه وأخرج كل المحظورات من كبتها. رفع الزبالة من البيوت إلى إعادة الضوء إلى تغيير هذا الطاقم الحاكم ولاد المشاكل التي تجاوزت المعقول. ومن سبت الألوان إلى جمعة اللون الواحد إلى كرنفالات قابل الأيام، أنزلت النفايات وملحقاتها كل الأشكال والألوان إلى الساحة: شباب متحمسون تواقون إلى التغيير، محبطون ويائسون من التجارب الخائبة السابقة، علمانيون لايزال يحدوهم الأمل، أكثرية صامتة لم تعد تطيق الصبر، حزبيون سابقون هجرتهم أحزابهم إلى متاحف التاريخ، حزبيون حاليون تائهون بين ما يسمعونه عن المبادئ والقيم الكبرى وما يرونه من ممارسات ضيقة ومصلحة ذاتية لقادتهم، جماعات من أحزاب سلطوية اعتادت ركوب الموجات الشعبية وصارت كالمنشار تنهش طلوعا وتلم ما استطاعت نزولا.
الحركة أفضل من السكون، والصوت العالي يفيد حيث عجز الصمت السلبي. ولكن هل يوصل كل هذا الضجيج إلى المطلوب والمنتظر؟ لا، لن تصل الرسالة ما لم تكن واضحة وشفافة وتحدد بدقة ماذا تريد. لا أحد ينتظر معجزة في ظل فقدان البديل وموت السياسة. وأهل هذه السلطة ماهرون في تجفيف البدائل وتعميم التصحر ومنع تأصيل البذور الصالحة للزرع. ولكن مهلا، الطريق إلى البديل ليس مقفلا ولا تعوقه الجدران الحديد التي ارتفعت حول قصور السلطة، فتحقيق مكسب مطلبي يهم الناس قد يحفز الصامتين على المطالبة بالأكثر وصولا إلى فتح باب التغيير بقانون انتخابي ينقل البلد من حال المزرعة إلى مرتبة الدولة العصرية، والأهم من ذلك كله إعادة الاعتبار إلى السياسة.
الرياضة تنشط في النادي، والسيارة تصنع في المصنع، والزراعة تحتاج إلى حقل، والسياسة لا تعيش إلا بالأحزاب. ولعل ما يحصل اليوم في بيروت فرصة لا تفوت لـزرع نواة البديل بتأسيس أحزاب تحاكي الأحزاب العصرية في العالم عمادها الشباب وتجاربهم أو تحديث ما هو قائم منها بالفصل الواضح بين شعاراتها المعلنة والنيات المضمرة لزعمائها الخالدين.