احتفت
صحيفة الأخبار اللبنانية، التابعة لحزب الله اللبناني، في عددها الصادر الاثنين، بـ"الحضور العسكري القتالي لروسيا في الحرب السورية"، مؤكدة أنه أصبح واقعا قائما ومرشحا لمزيد من التوسّع والتنامي والتأثير الميداني.
وأكدت الصحيفة أن المفاعيل الاستراتيجية والسياسية لهذا المسار، هي الأهم، حيث تضع
روسيا على طاولة السياسة، قوتها العسكرية أيضا، ومقاربتها واضحة: التفاهم مع إيران عسكريا، ومع مصر سياسيا، لحل الأزمة السورية، وتوحيد الجهود في محاربة الإرهاب.
تفاصيل عن القاعدة العسكرية الروسية
وقالت الصحيفة أن "ضباطا ومقاتلين من
الجيش الأحمر، حطوا رحالهم، في الثلث الأخير من شهر آب/ أغسطس الفائت، في أول قاعدة عسكرية روسية حربية في
سوريا. فقد كان الروس يحتفظون، منذ العهد السوفييتي، بقاعدة بحرية في طرطوس، لكنها مخصصة لرسوّ سفن الأسطول الروسي وخدمتها، واستقبال واردات الأسلحة والذخائر التي تزوّد بها موسكو، الجيش السوري".
وكشفت "الأخبار" المزيد من التفاصيل حول القاعدة الجديدة، وقالت: إنها تقع في "حميميم" في جبلة، قرب اللاذقية، وتشغل قسما من مطار باسل الأسد الدولي، وأراضي واسعة محاذية، أُقيمتْ، فيها، البنى التحتية لمطار ومعسكر يضم طيارين ومغاوير، ربما يصل عديدهم، الآن، إلى ألف عسكري، لكنه سيصل، على الأرجح، إلى ثلاثة آلاف. ولا يُعرف، بالطبع، العدد الفعلي للقوات الروسية المنتشرة في عدة مناطق سورية من بينها حمص وحماة واللاذقية ودرعا وعين السودا. وتشير تقارير دبلوماسية إلى أن قوة تدخّل سريع روسية وصلت وعسكرت في قاعدة عمليات متقدمة بالقرب من دمشق.
ونوهت إلى أنه من الواضح أن التحركات العسكرية الروسية في سوريا، تكثّفت، مؤخرا، إلى حد دفع وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، إلى مهاتفة نظيره الروسي، سيرغي لافروف، للإعراب عن "قلق واشنطن"؛ لكن تستبعد الأوساط السياسية الغربية، وكذلك الإسرائيلية، ألا تكون موسكو قد أبلغت، مسبقا، الولايات المتحدة، بـ "زيادة نشاطها العسكري" لصالح الدفاع السوري.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لدى مناقشة المسؤولين السوريين بالتقارير الصحفية والميدانية المتكاثرة حول بداية انضمام الروس إلى القتال في سوريا، فإن الإجابة الأولى تؤكد على أن تقاليد العلاقة الدفاعية بين الجيشين، الروسي والسوري، "قديمة ودائمة ومتطورة"، وما يحدث حاليا، يحدث "في سياق التعاون، وليس مفاجئا، إلا لأولئك الذين تدفعهم خيالاتهم وأمنياتهم إلى الاعتقاد بأن موسكو لن تسير معنا إلى آخر الشوط". بالخلاصة، أن التقارير حول ازدياد النشاط العسكري الروسي في سوريا، "صحيحة"، إنما "على العموم، وليس في التفاصيل" التي تعدّ سرا عسكريا.
وجود الجيش الأحمر مسلّم به
وقالت إن الانخراط الروسي في المعارك يعد "مسلّما به" في أوساط العسكريين السوريين، فيما تداولت صفحات روسية على مواقع التواصل الاجتماعي صورا لعسكريين روس على الجبهات السورية.
وذكّرت الصحيفة قراءها بأنها كشفت السبت الماضي، عن قيام طائرات "سوخوي" حديثة، بطلعات حربية في سماء محافظة إدلب التي يحتل الإرهابيون. وقال مصدر ميداني إن المعادلة الميدانية، بالنسبة لسلاح الجو، تغيرت؛ فبينما "كنا نحصل على 50 في المئة من طلباتنا لقصف أهداف للإرهابيين، أصبح الطيران الحربي يطلب منا تحديد المزيد من الأهداف؛ أعتقد أن قدرة القوة الجوية السورية، تضاعفت". ويقوم الجيش الروسي بتزويد نظيره السوري، حاليا، بصور يتم التقاطها، عبر الأقمار الاصطناعية، حول جبهات القتال والمناطق المحتلة من قبل تنظيمات إرهابية.
وأكدت أن الجيش الأحمر بدأ القتال إلى جانب الشعب السوري، في حربه الدفاعية ضد الإرهاب. لكن هذا التطور الاستراتيجي ليس وليد الأسابيع الأخيرة، وإنما يعود إلى أوائل ربيع هذا العام، حين أعلن الرئيس بشار الأسد، في لقاء مع وسائل الإعلام الروسية، أنه يؤيد إقامة قاعدة عسكرية روسية جديدة على السواحل السورية. وكان أوضح، في حينه، أن تعزيز الوجود العسكري الروسي في العالم، "ضروري جدا لخلق نوع من التوازن المفقود منذ تفكك الاتحاد السوفييتي (.) وبالنسبة إلينا، نحن نرحب بأي توسع للوجود الروسي في شرق المتوسط، وتحديدا على الشواطئ وفي المرافئ السورية".
ونوهت إلى أن تقارير ميدانية لخبراء من الجيش الأحمر حطت على مائدة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعضها تم إقراره، بصورة علنية، ويتعلق بتوسيع وتحديث القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، بحيث تكون أكبر محطة بحرية للاتحاد الروسي في الخارج، أما القسم الآخر من تلك التقارير، فقد كان يتعلق بالاستجابة لعرض الأسد إقامة قاعدة عسكرية قتالية جديدة في سوريا.
تطور العلاقات الدفاعية
وبحسب الصحيفة، فإن هذه الخلفية تكشف عن تطور العلاقات الدفاعية الروسية-السورية، وأن ارتفاع وتيرة النشاط العسكري الروسي في سوريا ليس وليد ساعته، ما يدحض التحليلات التي ربطت بينه وبين مخاوف من تراجع الجيش السوري ونشوء جيب "داعشي" بالقرب من دمشق... الخ. ففي الوقائع، ما يثبت أن كل خطوة عسكرية روسية تأتي في مسار استراتيجي، لا كردة فعل ميدانية. وهكذا، فإن هذا المسار سيظل يتصاعد حتى قيام تحالف عسكري شامل بين روسيا وسوريا من شأنه أن يقلب معادلات القوة في الشرق الأوسط، بصورة جذرية.
واستدركت الأخبار بالقول: "ورغم أن العلاقات الدفاعية بين موسكو ودمشق، تمتد إلى ستة عقود؛ فإن اللحظة الفارقة التي تقرر فيها المسار النوعي الجديد، هي تفاهم العاصمتين على سحب ذريعة الكيماوي من أيدي دعاة الحرب الأمريكية على سوريا، العام 2013. في تلك اللحظة، تم وضع سوريا تحت المظلة النووية الروسية، في سياق استغنائها عن السلاح الكيماوي. وسنلاحظ أن صفقة الكيماوي السوري بين الدولتين العظميين، هي التي فتحت الطريق أمام تنامي الحضور السياسي الروسي في الإقليم، واعتراف الولايات المتحدة المتزايد، بذلك الحضور، سواء بالنسبة للملف السوري أم الملف النووي الإيراني".
ونوهت إلى أنه وعلى عكس التوقعات، فقد كان إبرام الاتفاق النووي، بين طهران والقوى الدولية، إطارا وحافزا لتعزيز التحالف بين روسيا والجمهورية الإسلامية في كل المجالات، وفي مقدمها، المجال الدفاعي، والتعاون الثنائي في حل المشكلات الإقليمية. وبالنسبة لسوريا، فإن الإيرانيين والروس، يسيرون على الخط نفسه في دعم الدولة السورية في حربها على الإرهاب، على أن المسار السياسي قد يكون مختلفا. وقد نسّقت موسكو لتزايد وجودها العسكري في سوريا مع الإيرانيين، في سياق تفاهم كامل بين الحليفين. ورغم أن انتقال الموقع الأول في دعم الجهد العسكري والقتالي السوري، بدأ ينتقل من إيران إلى روسيا، فإن الإيرانيين، في المحصلة، يجدون أن هذا التطور ملائم لمصالحهم التي باتت أكثر تعقيدا، جراء الاتفاق النووي والتهيؤ لتطورات سياسية واقتصادية في علاقات إيران بالغرب، من جهة، وتزايد المهمات الملقاة على عاتق إيران في محاربة الإرهاب في العراق.
ورجحت الصحيفة بحسب من أسمتهم "مطلعين" أن تكون هذه المعادلة التي تريح الليبراليين الإيرانيين قد تم إرساؤها مع ممثل "المتشددين" قاسم سليماني.
إسرائيل وتركيا
وقالت إن المشاركة الروسية في القتال في سوريا، سيكون لها أثر ميداني متصاعد، إلا أن الأهم يكمن في ما تحدثه من متغيرات استراتيجية وسياسية. على المستوى الاستراتيجي تُحسَب هذه الخطوة تلويحا بالقوة نحو إسرائيل وتركيا، وإنذارا لهما بالانكفاء عن التدخل في الشؤون السورية. بالنسبة لإسرائيل التي فهمت الرسالة، حتى قبل أن تتسلمها رسميا، أدركت أن السماء السورية ستغدو مقفلة إزاء الطيران الإسرائيلي، لكن تركيا أردوغان، ربما تعاند قليلا، قبل الرضوخ للمعادلة الإقليمية الجديدة التي يرسيها الروس، وستؤدي إلى: انكفاء أنقرة خلف حدودها لتواجه مأزق الانتفاضة الكردية، ووضع الإسرائيليين أمام مأزق قيام منطقة مقاومة في جنوب سوريا، بغطاء روسي، ما يفرض قضية الجولان المحتل على جدول الأعمال الدولي.
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول، إن المسار العسكري الروسي في سوريا، يترافق مع المسار السياسي. فموسكو تبعث برسالة صارمة إلى كل الأطراف، مفادها أنه آن الأوان للتوصل إلى حل سياسي في سوريا. وهو حل يستحضر المصريين إلى رعايته، مدعوما بقرار روسي بالانخراط في الحرب ضد المسلحين والإرهابيين في سوريا، حتى النهاية. وأعطت إيران موافقتها على الرعاية المصرية، وهو ما يفتح الطريق إلى عزل تركيا، ويطرح على السعودية، خيارا وحيدا.. إما السلام (في سوريا واليمن معا) أو العزلة والانهيار.