قال الكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك في تقرير له نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية، إن
تدمير تنظيم الدولة الآثار الحضارية في
سوريا والعراق هو وسيلة من وسائل تحقيق الربح، وجرف وتدمير المكان هو جزء من إخفاء معالم الجريمة. مشيرا إلى أن التنظيم يقوم أولا ببيع القطع الأثرية لتجار الآثار، ومن ثم يدمر المكان.
وبنى فيسك معلوماته على ما قالته عالمة الآثار اللبنانية الفرنسية جوان فرشخ، التي تقول إن تنظيم الدولة يقوم أولا ببيع التماثيل والقطع الحجرية التي يبحث عنها تجار القطع الأثرية الدوليون، ويحصل على النقود، ومن ثم يسلمها، وتأتي أخيرا عملية التدمير لإخفاء معالم النهب.
وينقل الكاتب عن فرشخ قولها: "تباع القطع الأثرية من تدمر الآن في لندن"، وتضيف أن هناك "قطعا أثرية نهبها تنظيم الدولة من
العراق وسوريا يتم تداولها اليوم في أوروبا، ولم تعد موجودة في تركيا، حيث وصلت أولا، لقد غادرتها منذ وقت طويل. وهذا التدمير يخفي الدخل الذي يحصل عليه تنظيم الدولة الذي يبيع القطع قبل تدمير المعابد التي احتفظت بها".
وتتابع فرشخ: "لدى تنظيم الدولة قطع أثرية لا تقدر بثمن، التي يحصل عليها ثم يقوم بتدمير الموقع؛ لأن التدمير يعني إخفاء مستوى السرقة. ويقوم التنظيم بتدمير الأدلة، بطريقة لا يعرف معها ماذا أخذ من المكان قبل التدمير أو ما تم تدميره".
ويشير فيسك في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن فرشخ عملت في عدد من المواقع الأثرية في أنحاء عدة من الشرق الأوسط تعرضت لتدمير ونهب. فقد عملت في سامراء العراقية بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وقامت بعمل قوائم للدمار الذي حل في الأسواق وعلى المساجد في المدن السورية، خاصة حمص وحلب منذ عام 2011.
ويقول فيسك إن عالمة الآثار صغيرة الحجم تقوم بدراسة الآثار المسروقة في العالم، وأصبحت دراستها هما دائما لها، بدرجة تصف فيه عملها بأنها "طالبة للآثار المدمرة في الحرب". فخلال 14 عاما شاهدت ما يكفي من الآثار المشوهة، وهو ما زاد من اهتمامها لمواصلة عمل مثير للحزن.
ويبين الكاتب أنه من الناحية السياسية ترى فرشخ أن تنظيم الدولة يملك ذكاء، "فقد تعلم من أخطائه"، وتقول إنه "عندما بدأ بتدمير المواقع الأثرية في العراق وسوريا استخدم المطارق والآلات الكبيرة، مدمرا كل شيء أمام الكاميرا. والأشخاص الذين استخدمهم في العملية كانوا يرتدون زيا، وكأنهم يعيشون في زمن النبي. وفجر التنظيم موقع نمرود، ولكنه بث العملية في شريط مدته 20 ثانية، ولا أعرف كيف سيعرف المشاهد ما حدث في فترة زمنية قصيرة. ولكن التنظيم لم يعد الآن يدعي أنه دمر المواقع، فمنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة تقول إن الناس سمعوا أصوات (انفجارات). ويتم عرض اللقطات بعد ذلك بناء على ما يتوفر من الصور".
ويوضح فيسك أنه لهذا السبب ترى فرشح أن تنظيم الدولة لم يدمر تدمر في فيلم واحد، وتقول إنه "قد بدأ بعملية الإعدام في المدرج الروماني، وأعدم عددا من الجنود السوريين فيه، وبعد ذلك عرض انفجارات في الأعمدة الرومانية، ثم أظهر جسدا مقطوع الرأس لمسؤول الآثار المتقاعد الأسعد، وأخيرا فجر معبد بعل شميم".
وتضيف فرشخ للصحيفة: "بعدها بدأ كل شخص بالصراخ (ماذا حدث وماذا بعد؟)، سيكون الدور على معبد بل، وهو ما فعله التنظيم، حيث قام بتدميره، والآن ماذا بعد؟ سيكون هناك دمار جديد في تدمر، ولكن بناء على خطة مختلفة. فالخطوة القادمة ستكون المدرج الروماني العظيم، وبعدها سوق أغورا، وبعدها الأسواق، حيث يتم تدمير المدينة كلها، فقد قرر التنظيم منح نفسه وقتا".
وتجد فرشخ أنه كلما طال أمد التدمير زاد سعر المواد الأثرية في السوق العالمي. وترى أن تنظيم الدولة يدير عملية تجارية لبيع الآثار، وهو يحاول من أجل الحصول على أسعار جيدة التلاعب بالعالم في "دراما التدمير". وتقول: "لا توجد هناك قصص لا تقوم على حادثة، أولا قدم التنظيم للإعلام الدماء، ومن ثم توقف الإعلام عن عرض صورها. ولهذا قرر أن يقدم للإعلام الآثار، وعندما لا يهتم أحد فسيذهب للنساء ومن ثم الأطفال"، بحسب الصحيفة.
ويعلق الكاتب أن تنظيم الدولة يستخدم على ما يبدو الآثار والتاريخ. ففي كل أزمة سياسية يقوم الديكتاتور أو أي جماعة سياسية ببناء قوة على أساس دليل تاريخي. فقد استخدم الشاه آثار بيرسيبوليس الفارسية لتقديم نسب زائف لعائلته. فيما كُتب اسم صدام حسين على آثار بابل. وعلى خلاف ما فعل هؤلاء "فقد قررت عصابة داعش أن تغير الفكرة"، كما تقول فرشخ: "فبدلا من بناء قوة (داعش) على القطع الأثرية، فهو يقوم ببناء سلطته على التدمير، فـ(داعش) يغير الأسلوب ولن يكون هناك (قبل التاريخ)، إنهم يقولون (نحن فقط). ولن يتمكن سكان تدمر بعد عشرة أعوام من المقارنة بين (قبل) و(بعد)، كما يفعلون اليوم؛ لأنه لن يتبقى ما يمكن تذكره، ولن تكون لديهم ذاكرة".
ويختم فيسك تقريره بالإشارة إلى أنه مع أن الإله بعل لم يعبد في معبده منذ ألفي عام، إلا أن فرشخ ترى في القطع الأثرية قيمة تاريخية، وتقول: "كل قطعة أثرية يبيعها تنظيم الدولة من تدمر لا تقدر بثمن. ويحصل في هذه الحالة على مليارات الدولارات. فالسوق موجود، وسوف يشترى كل شيء معروض، ويدفع أي مبلغ للحصول عليه. ويكسب (داعش) في كل خطوة يخطوها وكل دمار".