كتبت موناليزا فريحة: تضيق الخيارات أمام
سوريا والسوريين. بين "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" ونظام الرئيس بشار
الأسد، صارت الاحتمالات السورية قاتمة. بين الموت هنا أو الغرق في البحر أو الاختناق في صندوق شاحنة، أو الانذلال أمام خفر سواحل اليونان، وحراس حدود المجر، باتت آفاق المستقبل مغلقة أمام السوريين، وغامضة جدا.
يوميات الموت في سوريا تكاد تصير من بديهيات الحرب. أعداد القتلى لم تعد تثير الاهتمام، إلا إذا تجاوزت "الكوتا" اليومية المقبولة.
الجهد الدبلوماسي الجديد لسوريا ليس أكثر إشراقا من مصير السوريين. بصيص النور الذي ولد مع الاتفاق النووي بدأ يتبدد.
لقاءات المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، ووزيري الخارجية الأمريكي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، أوحت في لحظة ما بتوزيع المهمات: الروس والأمم المتحدة يتولون الديبلوماسية العامة، بينما تتحرك واشنطن في الكواليس، لئلا تثير حفيظة حلفائها الخليجيين المتوجسين من تقارب محتمل بينها وبين طهران.
الدبلوماسية المكوكية هذه تكاد تذوي على عتبة "جنيف 3". فمع تحديد مطلع تشرين الثاني موعدا لبدء الحديث عن مستقبل البلاد، تتوالى الإشارات من هنا وهناك إلى تمسك كل طرف بموقفه.
الأسد لا يزال الرئيس الشرعي بمعايير موسكو، وجيشه هو الوحيد القادر على محاربة "داعش". وإذا صحت التقارير الأخيرة عن استعدادات
روسيا للانخراط مباشرة في الحرب إلى جانب قوات الأسد، فإن المشهد يصير مفتوحا على تعقيدات أكبر.
على خلاف موسكو، لا يزال الأمريكيون يصرون على أن الأسد ليس شريكا في الحرب على "داعش"، ولن يكون كذلك. وهم لا يرون -أقله علنا- للرئيس السوري مكانا في العملية الانتقالية.
وبين الأمريكيين والروس، يقترح دي ميستورا خريطة طريق لتنفيذ "بيان جنيف" لا تشير بحسب صحيفة "الحياة" مباشرة إلى الأسد، لكنها تدعو إلى تأليف هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة "مع استثناء محتمل للسلطات البروتوكولية".
فقد السوريون الأمل في العالم وجهوده. صورهم يتسللون بين الأسلاك الشائكة على حدود هذه الدولة الأوروبية أو تلك، ويناطحون الأمواج في هذا البحر أو ذاك، ويتحدون جليد القطب الشمالي، وربما لاحقا ثقب طبقة الأوزون، بحثا عن حياة جديدة ليست إلا تعبيرا عن شعب قرر ألا يلتفت وراءه.
هؤلاء مدركون أن الحلول على نسق الأسد رئيسا فخريا، وربما "داعش" عضوا في
الأمم المتحدة، لن تعيد السلام إلى سوريا.
(عن صحيفة النهار اللبنانية، 2 أيلول/ سبتمبر 2015)